الجزائر تطرق أبواب مجموعة “بريكس”
علي اليوسف
رسمياً تقدّمت الجزائر بطلب للانضمام إلى مجموعة “بريكس”، ما يدلّ على الاهتمام الإيجابي الذي بدأ ينمو في الأشهر الأخيرة من جانب العديد من الدول تجاه أنشطة المجموعة. وهذا المؤشر ليس انعكاساً لسلطة دول “بريكس” كمنصة دولية، بل هو انعكاس لفهم هذه البلدان بأن “بريكس” تقدم بديلاً حقيقياً للعالم أحادي القطب، وهي نموذج حقيقي عملي للتعاون، حيث لا قادة ولا أتباع، ولا محاولات لإملاء حلول معينة.
وبحسب نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، فإن هذه الرابطة للدول خالية من البيروقراطية العابرة للأمم، وتلك إحدى نقاط القوة في “بريكس”. صحيح أن “بريكس” صغيرة نسبياً، وليس داخل المجموعة إجراء معيّن متفق عليه ومعتمد للمستجدين من الأعضاء، لكن القادة أصدروا تعليماتهم، في حزيران الماضي، للموظفين المسؤولين بمعالجة هذه المسألة بكفاءة، وقد تمّ البدء بالعمل، ونحتاج إلى النظر في المعايير التي يمكن من خلالها دعوة الأعضاء الجدد، حيث نحتاج إلى النظر كذلك في منهجية مناسبة لهذه القضية بشكل عام.
ماذا ستكسب الجزائر؟
فوائد كثيرة اقتصادياً وسياسياً يمكن أن تجنيها الجزائر من انضمامها إلى “بريكس”، خاصةً وأن الاقتصاد الجزائري يحاول ترميم الاختلالات التي حدثت في الأعوام الماضية، وذلك من خلال تهيئة الأرضية القانونية، عبر إصدار قانون مشجّع على الاستثمار في البلاد، وأيضاً من خلال الإجراءات التي اتخذتها الحكومة من أجل جلب الاستثمارات الأجنبية إلى الجزائر. وبما أن لـ”بريكس” قوة مالية تتمثل بالصندوق الاحتياطي الذي يحتوي مبالغ مهمّة من النقد الأجنبي، وبنك التنمية الجديد، الذي يموّل مشاريع البنية التحتية في الدول المنضوية تحت مجموعة “بريكس”، فقد يكون ذلك السبب الرئيسي، بل المناسب جداً لمساعدة الجزائر على ترميم الاختلالات الاقتصادية التي تسعى لتجاوزها.
الجزائر تعوّل على انطلاقة اقتصادية، بحيث تمتلك سوقاً مهمة في شمال أفريقيا يضمّ نحو 45 مليون نسمة، بالإضافة إلى موقع استراتيجي مهمّ، وبنية تحتية موجودة حالياً وتحتاج إلى تطوير مع أعضاء “بريكس”. كما أنها تتميّز أيضاً بموقع استراتيجي على أبواب أوروبا كأكبر سوق في العالم، بالإضافة إلى أنها على مقربة من الأسواق الأفريقية، وخصوصاً الغرب الأفريقي.
وهي تحتاج إلى عدد من المشاريع، كالصناعات الميكانيكية وصناعات الفضاء، التي تعدّ الصين بلداً رائداً ومتطوراً في تقنياتها، وأنها تحتاج إلى الخبرة الروسية في المجال الزراعي من أجل تطوير قطاع الزراعة، خاصة وأن الجزائر تمتلك أراضي زراعية تقدّر بملايين الهكتارات، ويمكن استغلالها من أجل تلبية حاجات السوق الداخلية، أو حتى التصدير إلى الخارج. وهي تحتاج إلى الاستفادة من تجربة الهند وخبرتها في مجال صناعة الدواء والصناعات التكنولوجية، هذا المجال الذي يشهد تطوراً في الهند، وقطعت فيه نيودلهي أشواطاً كبيرة.
وتعتبر الجزائر أكبر بلد أفريقي مساحةً بإجمالي 2 مليون و381 ألفاً، و741 كيلومتراً مربعاً، وشريط ساحلي بطول 1600 كيلومتر على البحر المتوسط، وتستحوذ على موارد ضخمة للطاقة التقليدية والمتجدّدة والمناجم.
يرى الخبير الاقتصادي والاستراتيجي عبد القادر سليماني، أن الجزائر تتحدث عن مقاربة جديدة مفادها ضرورة إنشاء نظام اقتصادي عالمي جديد مبنيّ على التكافؤ والمساواة والعدالة في توزيع الثروات وإعطاء الفرص للدول النامية. وأوضح أن الجزائر تتوفر فعلياً على الشروط اللازمة للانضمام إلى واحد من أكبر التكتلات الاقتصادية والسياسية، وقال: “الجزائر ترى في مجموعة بريكس تكتلاً سياسياً واقتصادياً قوياً يستجيب لطموحاتها وتطلعاتها، لأنها تسعى إلى تحول اقتصادي عميق مبنيّ على شراكات مضمونة وآمنة وجلب استثمارات”.
إن تقدم الجزائر بطلب الانضمام الى “بريكس” جاء في وقت يتجه فيه العالم نحو نوع من الشرذمة في النظام العالمي والتشتّت في ظل نهاية العولمة وتحولها إلى نوع جديد يتبلور عبر تكتلات مثل تكتل آسيا الجنوبية، وتكتل أوروبا، وأمريكا الشمالية. لذلك فإن أهمية “البريكس” هي في كونها تضمّ دولاً تشهد نمواً مرتفعاً وكبيراً مثل الصين والهند والبرازيل، ومن المؤكد أنها ستضيف دولاً أخرى. كما أن دولاً من هذه المجموعة، مثل الهند، ستشهد ازدهاراً اقتصادياً كبيراً خلال السنوات العشر المقبلة، وبالتالي فإن الطلب على مصادر الطاقة سيكون كبيراً جداً. من هنا، للجزائر مصلحة في الانضمام إلى “البريكس”، وهناك تسهيلات تجارية واقتصادية يمكن أن تحصل عليها، كما أن هناك حاجة لنظام مالي ونقدي جديد بعد تشتّت النظام العالمي.
في الجانب السياسي، إن من مصلحة الجزائر الانضمام لـ”بريكس” في وقت تتسم فيه علاقاتها مع بعض الدول الأوروبية بالتأزم مثل الحال مع إسبانيا، فيما علاقتها مع فرنسا متأرجحة، حيث تجد الجزائر نفسها في نظام عالمي آخذ في التحول بسرعة من نظام أحادي تقوده الولايات المتحدة إلى نظام متعدّد القوى تقوده الصين وروسيا، وما أزمة أوكرانيا إلا مظهر من مظاهر هذا التحول.