العجيلي.. وشعلة الإبداع
حسن حميد
ما كان ليفارقني اسم الدكتور الأديب عبد السلام العجيلي كلما يمّمتُ وجهي نحو الشمال والشرق السوريين، ذلك لأنّه اسم لقلعة أدبية، واسم لقلعة وطنية، واسم لقلعة أشواق ومحبة!.
أنا الآن في طريقي إلى مهرجان عبد السلام العجيلي الذي سيكون أياماً لنورانية هذا الأديب الفذّ الذي ماشى بتجربته الأدبية التاريخ السوري الجليل منذ بداية الاستقلال، وحتى وفاته، وكلّ قراءة للتاريخ الثقافي الإبداعي السوري من دون التلبث أمام تجربة العجيلي الأدبية هي قراءة ناقصة، وتشكو من الاستسقاء الثقافي، وعدم الإحاطة!.
ما كانت الرقة مدينة واسعة، رحبة الفضاءات، كثيرة الآداب، والفنون، يوم بدأ العجيلي كتابة الشعر، لقد عُرف شاعراً، وكان لا بدّ له من ذلك، كونه واحداً من أهل الشهادات العالية، ولكن لم تكن مدينة حلب بعيدة عن الرقة، ولم تكن أحلام العجيلي قصيرة، كي لا تصل إلى المطرح الذي رامه ليكون طالباً في مدرسة تجهيز حلب، بل لم تكن دمشق العاصمة بعيدة عن أحلام العجيلي وقد ظفر بالشهادة الثانوية، فجاء إليها ليدرس علوم الطّب! وفي دمشق توازت أحلام العجيلي وأحلام أبنائها، وفي أمور عدّة، منها: النيافة في العلم، والوجاهة الاجتماعية، والتطلعات السياسية، وقد وصل العجيلي إلى ذراها جميعاً، وزاد عليها أنّه كان، وفي فضاء الثقافة، من رجال الإبداع في مجال الشعر، هذا الجنس الأدبي الذي تسيّد الحضور، مثلما كان صاحب مقالة مهمّة منتظرة بين كتّاب المقالات في الصحف السورية الصادرة آنذاك، بل كان العجيلي الفائز بالرتب الأولى لمسابقات الشعر التي أجرتها الصحف آنذاك.
وحين تشكّل جيش الإنقاذ، إنقاذ فلسطين، من الاحتلال الصهيوني الوارث للاحتلال الإنكليزي، ودّع العجيلي كلّ شيء، الرقة، وأهله، والحسينية، وكراد البقارة، وكراد الغنامة، والخالصة، وكتب عنها جميعاً، وسرد في يومياته قصصاً وحكايات وأخباراً دارت حول حياة الناس واستعداداتهم للدفاع عن بيوتهم، وحقولهم، وأعراضهم مواجهةً للصلف الصهيوني الذي كان يباغت بيوت القرى، وأطراف المدن، بالعبوات الناسفة لتدميرها، وبثّ الرعب، والخوف فيها!. لقد تحدّث العجيلي عن المجازر التي حدثت، طيّ الليالي المعتمة، في قرى كراد البقارة، والحسينية، وعين الزيتون، وعن قتل عشرات المزارعين الفلسطينيين في حقولهم، أو وهم في ذهابهم إليها، أو وهم عائدون منها، وعن تلغيم الطرق التي دمّرت عربات النقل المختلفة.
وحين آلت حوادث عام 1948 إلى ما آلت إليه، عاد العجيلي كسير الخاطر، فقد رأى جمالاً للقرى والمدن الفلسطينية تمنّى أن يدوم، ورأى عشقاً فلسطينياً للأرض والتاريخ والفن والكتب، تمنّى أن يدوم، ورأى بطولات لمقاتلين فلسطينيين وعرب، تمنّى أن تصير انتصارات بهّارة تعلوها رفرفة العلم الفلسطيني الجذلى.
عاد العجيلي من مملكة الحلم الوطني عام 1948، إلى مملكة أخرى هي مملكة الكتابة الإبداعية، فأسّس في الرقة مدوّنة أدبية نادرة للسرد الأدبي، هذه المدوّنة هي التي جعلت من مدينة الرقة عاصمة للسرد السوري، وذلك لأنّ روح عبد السلام العجيلي هي روح مضايفة، وروح قبول لأجيال السرد الطالعة التي لحقت بتجربته وتقفتها، ويكفي هنا أن نذكر منها، إبراهيم الخليل، وخليل جاسم الحميدي، وسامي حمزة، وبسام الحافظ، وعمر حمود، ومحمد أحمد الطاهر.
العجيلي الأب الروحي للسرد الجميل، يوقد الآن، بسحر إبداعه شعلة الإبداع، لتنير ضفتي نهر الفرات العزيز.
Hasanhamid55@yahoo.com