هل اقتنعت واشنطن بحتمية تعدّد الأقطاب
تقرير إخباري:
مع اشتداد الأزمات الاقتصادية العالمية بات الطريق ممهّداً لخروج رجال الأعمال الأمريكيين وغيرهم من المتضرّرين من الحرب في أوكرانيا عن صمتهم، والعودة إلى حقيقة الأمور التي كانت واضحة من قبل، غير أن الرغبة في هزيمة روسيا وشيطنتها هي التي كانت طاغية على المشهد في المجتمعات الغربية.
أما وقد وصل البلل إلى ملابس هؤلاء فقد وجدوا أنفسهم مضطرّين إلى قول الحقيقة، أو أن هناك من وجّههم لقولها حتى يوفّر على نفسه الاعتراف بالهزيمة، ومن هنا تتزايد الأصوات المنادية لإيجاد حل سلمي للأزمة في أوكرانيا للخروج من النفق المسدود الذي وصلوا إليه.
فقد أكد رجل الأعمال الأمريكي بيل غيتس، أن دعم واشنطن لنظام كييف بالأموال والأسلحة أرهق ميزانيات الدول الأوروبية، وانعكس سلباً على المساعدات الدولية للدول الإفريقية.
ونقلت شبكة “سي إن إن” تصريح غيتس خلال زيارته لكينيا، “بأن الأزمة الأوكرانية استنزفت ميزانية أوروبا، ما أدّى إلى تراجع الميزانية المخصّصة لدعم الدول النامية”.
وأضاف غيتس: إن العديد من المؤسسات الخيرية الغربية تغرق نظام كييف بالأموال، متناسية أن هنالك دولاً وشعوباً تعيش تحت خط الفقر، وتعهّد بتقديم 7 مليارات دولار لإفريقيا خلال السنوات الـ4 المقبلة، لدعم مشاريع مكافحة الجوع، والمرض، والفقر، والتمييز الجنسي.
وأشار إلى أن القارة الإفريقية تواجه خطر أزمة الغذاء، بسبب الجفاف، وآثار جائحة COVID-19، والأزمة الأوكرانية وما ألقته بظلالها على الاقتصاد العالمي.
ويبدو واضحاً أن تصريحات غيتس جاءت بعد الشعور العام لدى الساسة الأمريكيين بأن قارة إفريقيا بدأت تتفلّت تدريجياً من السيطرة الأمريكية، وتنتقل تدريجياً إلى العلاقة مع الصين وروسيا بوصفهما القطبين الكبيرين في العالم الجديد، لأن الأمريكي يعلم سلفاً أن الأزمة الأوكرانية ستؤثر سلباً في المجتمعات النامية، ولكنها بدلاً من أن تؤدّي إلى النقمة على روسيا والصين، حسب المنظور الأمريكي، ذهبت باتجاه آخر وهو تعميق هذه العلاقة، وهو ما لا ترغب واشنطن في رؤيته.
من جهة ثانية، قال الخبير السياسي الأمريكي جون ميرشايمر: إن سبب العملية الروسية في أوكرانيا، لم يكن طموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإمبريالية، بل محاولة الناتو حشر روسيا في الزاوية من خلال توسيع الحلف.
ووفقاً له، تقع المسؤولية الكاملة عن نشوء الأزمة الأوكرانية على عاتق الولايات المتحدة.
وأضاف هذا المختص الأمريكي في العلوم السياسية، في مقابلة مع مجلةThe New Yorker: “بوتين يقول الحقيقة بشأن دوافعه في أوكرانيا. هو حتماً ليس بالإمبريالي وينطلق في السياسة من تصوّرات تتعلق بأمن روسيا، ولهذا أطلق العملية العسكرية الخاصة. لا يوجد دليل واحد يدعم الأطروحات الغربية القائلة بأن بوتين إمبريالي”.
وأشار الخبير إلى أن الرئيس الروسي ألمح مراتٍ عديدة بأن موسكو لا يمكنها السماح لأوكرانيا بأن تصبح معقلاً للغرب.
وقال: “بالنسبة لروسيا، هذا يعدّ تهديداً وجودياً. بالنسبة لها، هذا ببساطة غير مقبول بتاتاً”.
ويوم أمس، قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن: إن الناتو لا يسعى إلى نزاع مع روسيا، لكنه سيواصل تقديم المساعدة العسكرية لسلطات كييف.
ولا يمكن طبعاً أن نعزو هذا الانحراف في التصريحات الأمريكية إلى صحوة مفاجئة في الموقف، بل هناك سبب أكبر من ذلك وهو الشعور بأن الأمور ذاهبة إلى استنزاف الغرب الجماعي بدلاً من استنزاف الطرف الآخر، وهو الأمر الذي بات حالياً هاجس السياسة الأمريكية الحالية التي يبدو أنها أدركت مؤخراً أنه لا سبيل لكبح جماح روسيا والصين أو الحدّ من صعودهما، الأمر الذي يمكن أن نسمّيه اعترافاً أمريكياً بحتمية تعدّد الأقطاب.
طلال ياسر الزعبي