مهرجان “بيت فستق”..!!
نجوى صليبه
في كلّ مرّة نتابع فيها نشاطَ، أو حفلَ إطلاقِ، فريق شبابي جديد، ننتظر أن نجد محتوى جديداً ومختلفاً، ولن نقول مميزاً، لكن على الأقلّ متناسباً والشّعارات التي يرفعها أعضاء هذا الفريق، ويبذلون جهداً ووقتاً في شرحها والتّرويج لها، بل وربّما الإقناع فيها، ولا يكتمل الـ “بريستيج” الفنّي إلّا ببزّات رسميّة، لا تكتمل هيبتها إلّا بموت سيجارة وولادة أخرى، مع التّذكير بأنّنا لا نشاهد ضيوف وجمهور أكبر المهرجانات العربية والعالمية، وهم يتشبّثون بسجائرهم، ويسيرون برفقتها ضمن الممرّات أو أمام صالات العرض أو حتّى في بهو البناء المخصّص للاحتفالية أو المهرجان، إنّهم يلتزمون بالمكان المخصّص للمدخّنين – إن وجد – في هكذا أحداث مهمّة.
مثالنا حفل إطلاق فريق “رؤية” الذي أقامته دار الشّبيبة للفنون في صالة سينما الكندي، بالتّعاون مع المؤسّسة العامّة للسّينما، منذ أيّام، والذي حشد له أعضاؤه ما حشدوا من سينمائيين وإعلاميين ومهتمّين، معتقدين أنّهم بذلك يعيدون إلى السّينما ألقها وللصّالات حيويّتها، غير مدركين حقيقة أنّ بعض الإعلاميين يحضرون من أجل دعم الظّهور الأوّل لهم، وهم في غالبيتهم يفعلون ما يمليه عليهم واجبهم المهني والأخلاقي والاجتماعي والثّقافي، مع أملٍ بسيط بألا يخيب ظنّهم ويشاهدوا ما يصفّقون له بحبّ وصدق، لا من أجل أن يقال لهم إنّ حضورهم مع الآخرين هو خير دليل على أنّ أهداف النّشاط قد تحققت – كما سمعنا من منظّمي هذا الحفل – وأنّ البوصلة السّينمائية والشّبابية قد عادت إلى رشدها، متجاهلين أيضاً أنّه في حال كان أعضاء الفريق عشرين فرداً بين متدربين وأعضاء مجلس إدارة، ورافق كلّ فرد اثنين أو ثلاثة من عائلته، ستشغل معظم مقاعد الصّالة.
أخطاء بالجملة، ارتُكبت في هذا الحفل، ولا نعرف من أين نبدأ، لكن سنقف عند أكثرها استفزازاً وجرماً بحق الفنّ والثّقافة، سنبدأ من حيث بدأ الفريق، أي في الكلمة التّعريفية وفي استقبال الضّيوف وفي تنظيم المهرجان، وسنبدأ بكلمة “مهرجان”، فالمتعارف عليه في المهرجان اجتماع أشخاص من مختلف المشارب والاهتمامات والمواهب والتّجارب والخبرات في مكان ما وعرض إنتاجهم أيّاً كان مجاله الفنّي أو الأدبي، والتّعارف وتبادل الخبرات. وعلى هذا الأساس، لا يمكن أن نقيم مهرجاناً أبطاله الأسرة ذاتها. كنت أسمع بعبارة “بيت فستق” ولم أكن أعلم معناها بالضّبط أو قاربته في مرّات قليلة، لكنّي اليوم أدركته حرفياً، فما حصل ضمن “مهرجان نيجاتيف السّينمائي للهواة” هو عرض نتاج فريق واحد فقط، وتوزيع الجوائز على أعضائه، الأمر الذي كان من الممكن تفاديه والاكتفاء بعبارة “حفل إطلاق الفريق وعرض نتاج عمله بعد عام ونصف العام من تأسيسه”، والابتعاد عن الجوائز وعن سمة المهرجان، أمّا أن نقدّم جوائز أفضل ممثّل وممثّلة وإخراج وفيلم متكامل لأفراد الأسرة الواحدة فقد هزلت كثيراً وجدّاً!.
أمّا أهداف الفريق، فهي بحسب رئيس مجلس إدارته هشام فرعون، النّهوض بالذّائقة الفنّية والسّينمائية للجمهور، وكأنّ الجمهور الذي حضر لم يكن يتذّوق الفنّ أو السّينما قبل هذا الحفل، والمصيبة ها هنا أنّ الفريق يعرف من هم الحضور ومدى ثقافتهم وخبرتهم وتاريخهم المهني والفنّي والإداري أيضاً، طبعاً بغضّ النّظر عن بعض الذين حضروا مجاملةً ولا باع لهم لا في فنّ ولا في سينما، لقد كان الأحرى بهم القول إنّهم وباعتبارهم هواة يهدفون إلى تجميع بعضهم البعض لصقل المواهب والخروج بتجارب يضعونها بأيدي الاختصاصيين فقط لا غير، ولاسيّما أنّ سمات جمهور السّينما معروفة وواضحة وجليّة لمن يتابع أخبار السّينما ويهتمّ لأمرها، أمّا الهدف الآخر للفريق فهو الوصول إلى “منصّة عالمية لنقل صورة سورية الجميلة إلى العالم والتّصدّي لحرب الشّاشات”.. في الحقيقة، حرب الشّاشات انتهت منذ سنوات ليست بقليلة، وأثناءها وبعدها مباشرةً كان العمل على استعادة المؤسسات الثّقافية دورها الفاعل ونشاطاتها المختلفة والموجّهة إلى كلّ الشّرائح العمرية، وهذا الأمر كان وما يزال أولوية لدينا جميعاً، وإن كنّا نتعثّر حيناً ونمضي حيناً آخر.
وتبقى الطّامة الكبرى هي في شعار المهرجان أو الفريق – لا أعلم بالضّبط – ألا وهو “الفن يقود الجماهير”!! كما أنّي لا أعلم بماذا كان يفكّر واضعه، هل كان يفكّر بأنّه سيحقق ما لم يستطع فعله مخضرمون في السّينما والأدب والفنّ على مدار مئات السّنين من الارتقاء بالمجتمع إلى ما فيه خيرٌ لعقله وذهنه وثقافته؟ لكن أجزم بأنّه لم يفكر بأنّه لا يمكن للفنّ أن يكون قائداً أبداً، ولن نتحدّث الآن في سماته، لكن أكتفي بالتّنويه بأنّ الحرية من أبرزها.
وبالحديث عن المحتوى الغني الذي يريد الفريق تقديمه وإيصاله إلى العالم وتحسين صورة سورية في الخارج، أضرب مثالاً فقط عنه وهو فيلم بعنوان “الكيل المردود”، والذي يتحدثّ عن مراهق يعاني تشوهاً في وجهه، ويكره أمّه المريضة التي تجلس على كرسي متحرّك، تناديه وتطلب مساعدته في إحضار الطّعام عن الموقد فيسقط الإناء بمياهه السّاخنة عليها ويتشوّه وجهها، وينتهي الفيلم بالتقاط المراهق صورةً له ولوالدته بوجهيهما المشوّهين. في الحقيقة لم يذكّرني هذا العمل إلا بأغنية قديمة لمغنّي الرّاب الأمريكي “مارشال بروس ماذرز الثالث” المعروف باسم “امينيم” – من أكثر مغنّي الرّاب مبيعاً في العقد الماضي – وكان بعض الشّباب والمراهقين العرب يردّدونها من دون معرفة ترجمة كلماتها وفيها يروي قصّته مع والدته وكرهه الشّديد لها!
نقول قولنا هذا وكلّنا أمل في مشاهدة الأفضل دائماً من الجميع، هواة وأكاديميين واختصاصيين وإعلاميين، فبعض الزّملاء إن لم يجدوا ما يصفّقون له يصفّقون للرّيح!!.