ألف ليلة وليلة.. من الموسيقا إلى الرسم في صالة زوايا
أكسم طلاع
تُعرض حالياً في صالة زوايا بدمشق أعمال الفنان التشكيلي محمد العلبي، ويضمّ المعرض عدداً واسعاً من الأعمال الورقية والقماشية، وقد نفذ الفنان هذه الأعمال بأحبار وألوان زيتية وألوان الأكريليك، وسبق أن أقام العلبي معرضاً سابقاً في الصالة نفسها خلال العام الماضي قدّم فيه تجربة مختلفة عن مفهوم حامل اللون أو الخامة التي يتمّ الرسم عليها، بأن استخدم السجاد القديم مستثمراً النقوش والزخارف والملمس الصوفي والألوان الأساسية للسجادة، وحقق فكرة جديدة وناجحة اتسمت بالبحثية والتجريب، كما تميزت تلك التجربة بتفردها عن اللوحة التقليدية التي تعتمد الخامة التقليدية وألوان الرسم المعروفة.
في هذا المعرض استمدّ العلبي فكرته من أوركسترا ألف ليلة وليلة التي ألفها الموسيقار ريميسكي، ومن المعروف أن هناك محاولات تشكيلية كثيرة سابقة في هذا المجال من تقارب الفنون الإبداعية وامتداد منتجها بين مختلف الحواس “السمع والبصر” هو النموذج الأساس في هذا السياق، وقد قدّم العلبي لمعرضه موجزاً عن هذه المحاولة جاء فيه: “علينا ونحن في هذا المأزق أن نهرب إلى الحلم الفانتازيا الشرقية والتي تتداخل مع تركيبتنا كمنطقة حضارية مشبعة بهذا الإرث الثقافي.. عملت على الخط لحدّ فنائه وفي النهاية يصبح الخط هو اللون.
بالعمل على موسيقا شهرزاد كان يجب عليّ أن أمتلك لغة بصرية مرمزة واستعمال إمكانات اللغة نفسها، فمثلاً عملت على مبدأ المتصل والمنفصل والواضح والضبابي والأفقي والعمودي بالطبع في الخطوط والألوان.
ريميسكي قسّم أوركسترا شهرزاد لأربع حركات، والتنوع التقني يجب أن يكون حاضراً في المعالجة البصرية، ويجب أن يتحرك مع الموسيقا، وهذا ضروري في عمل بصري يوازي الموسيقا.
في ألف ليلة وليلة استطاعت شهرزاد أن تنتصر على الموت بالتحايل عليه بواسطة الخيال، في هذا المعرض أفتح الباب أمام تغيير حامل اللوحة أو حامل اللون والخط بشرط احترام خصائص هذا الحامل، لذلك عملت على القماش المشدود والخشب والموازييك والورق القديم.. يجب أن نخطو ولو ببساطة باتجاه الحلم بعيداً عن ثقافة المديح أو الإلغاء أو تأكيد المؤكد الذي يشبه الموت معزولين في غرفة الإنعاش”.
استخدم العلبي الورق القديم المطبوع ورسم عليه، كما استخدم القماش العادي بعد التأسيس، واللافت أن العلبي مشدود نحو القيمة العاطفية التي تحقّقها الخامة المسبقة، وبالتالي ستكون هذه الإضافات البصرية غير مستقلة عن ذلك السطح أو عبئاً عليه، خاصة وأن المجموعة اللونية التي يستخدمها العلبي تتصف بالتقشف والحيادية أحياناً، وهذا ما يحقق شيئاً من الألفة البصرية المنشودة.
أما جانب حركة الخط المستمرة التي ترسم الحدود والأشكال وتنتهي هذه الحركة في محيط لوني، فيبرّره العلبي بذلك التماهي بين الوجود والفناء وفي استعارة عوالم صوفية وأدبية أخرى، مستلهماً روحية الأرابيسك بلغة أكثر بساطة في جانب الحرفية والصنعة.
من جهة العلاقة بين الموسيقا واللوحة التي بنى عليها العلبي هذه التجربة التي لا يتبناها البعض، خاصة وأن الرواية البصرية تختلف عن الموسيقية مع أنها تتضمنها في جوانب متعدّدة، نسأل ضمن هذه الثنائية ما العلاقة بين القرار أو الجواب في الموسيقا وما يقابله من لون في جملة ألوان اللوحة؟ وهل يصح التعميم في بقية التجارب الأخرى؟ وهل الرواية أو المقطوعة الموسيقية يمكن تمثيلها كاملة في اللوحة؟ وإن تحقق ذلك ما هو الجانب الإبداعي في الأمر، خاصة وأن ما ينتج هو تكرار بلغة أخرى؟.
أسئلة يفتحها معرض التشكيلي محمد العلبي أمام المشتغلين في هذا الحقل من الفنون البصرية، ويبقى الأداء الفني هو المعيار في النهاية، وقد وفق العلبي في هذا التأليف البصري الجديد لحكايا ألف ليلة وليلة.