كوبا تعزّز معسكر كسر القطبية
تقرير إخباري:
على الرغم من المساعي الحثيثة لأمريكا في تعزيز وتوسيع تحالفاتها الرامية للهيمنة على الشعوب بالترهيب أو الترغيب، ومصادرتها لسياساتها وقراراتها الخارجية إبان أبرز القضايا العالمية وآخرها أزمات الطاقة والمناخ، يتابع على المقلب الآخر العالم الجديد المتعدّد الأقطاب تطوّراته السريعة لكسر قيود العزلة والحصار التي يحاول المحور الغربي تطويقه بها، ويبرز التحرّك اللافت لكوبا في جولة رئيسها ميغيل دياز كانيل بيرموديز من شمال إفريقيا إلى روسيا وصولاً إلى الصين.
فقد زار دياز الجزائر وبحث هناك تعزيز العلاقات التي تربط البلدين، ولوحظ صدور قراراتٍ معزّزة لصمود البلدين، ظهرت من خلال تأجيل فوائد ديون الجزائر على كوبا، وسبقتها خطواتٌ عديدة كتبرّع الجزائر بمنظومات توليد كهروشمسية لكوبا، في حين تمدّ كوبا الجزائر بعدد من الاكتشافات الطبية.
ويتابع دياز جولته نحو موسكو في زيارة وصفها بالاستثنائية على الرغم من أنها ليست الأولى، حيث إنّ الرئيس الكوبي سيؤكّد لموسكو استعداد دولته مع دول أمريكا اللاتينية لمؤازرته وتأييده ضدّ ضغوط الولايات المتحدة حتى لو وصل سقف استفزازات واشنطن إلى حرب نووية، فهذا الموقف يرتكز على إرثٍ عريق من العلاقات التاريخية بين البلدين، وإحياء لأمجاد التحالف مع الاتحاد السوفييتي وتذكير بموقف كوبا خلال أزمة الكاريبي، وبأن تلك العلاقات لم تنقطع، فالأسطول الروسي حتى لو لم يكن في كوبا حالياً إلا أنّ موانئ كوبا مفتوحة لسفنه وغواصاته بصورة دائمة سواء للصيانة أم التزوّد بالإمدادات، وهذا بحدّ ذاته يمكن أن يشكّل تحدّياً لأيّ قاذفات جوية تغادر أمريكا نحو بقع أتباعها في شبه الجزيرة الكورية أو أستراليا.
وتعكس هذه الزيارة التحدّي القوي لأمريكا والغرب، وتجديد التأكيد لشرعية وأحقية روسيا في عمليتها الخاصة ضدّ استفزازات واعتداءات نظام كييف على وحدة وسلامة الأراضي الروسية، يُضاف إلى ما سبقه من معارضة كوبية لمشاريع قرارات طرحت في الجمعية العامة للأمم المتحدة في إدانة العملية الخاصة، أو في مشروع قرار يُلزم روسيا بدفع تعويضات لأوكرانيا، كما وصف الرئيس الكوبي العقوبات التي يفرضها الغرب على روسيا بالظالمة والمجحفة، مؤكداً أنّ الاستراتيجية العدوانية للولايات المتحدة ومخططاتها لتوسيع حلف الناتو على حساب الأمن القومي الروسي هي سبب اندلاع الصراع في أوكرانيا.
يُضاف إلى ذلك الأبعاد الاقتصادية للزيارة في كسر الحصار المفروض على البلدين عبر تعزيز التعاون في صناعات التعدين والسيارات، حيث صرّح الرئيس الكوبي عن تعاونٍ وثيق في هذا القطاع وتطرّق إلى مشروع تطوير حقل “بوكا دي جاروكو” لاستخراج الهيدروكربونات، وإلى الاستثمارات الخاصة بشاحنات “كاماز” في مارييل، وتحديث مصنع الصلب وتحديداً قسم السبائك، ومشروع تحديث السكك الحديدية في كوبا.
وأكد نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، ديمتري مدفيديف، أن روسيا وكوبا تواجهان العقوبات لكن تلك العقوبات بفضل التعاون الثنائي لن تقف عائقاً في وجه تطوّر البلدين مهما كانت الظروف العالمية قاسية، وستبقى حالة التبادل والتعاون قائمة على كل الصعد.
الخارجية الصينية أيضاً رحّبت بزيارة الزعيم الكوبي إلى بكين واعتبرتها تجسّد أعلى مستويات التعاون وتعكس العلاقات المتينة بين البلدين الاشتراكيين، وخاصةً أن كوبا أول الدول في أمريكا اللاتينية التي تقيم علاقات مع الصين.
بالمجمل، جولة الرئيس الكوبي على مجموعة الدول الرافضة للهيمنة الأمريكية وما تم وسيتم بناؤه من خطوات التعاون فيما بينها، تصبّ في عملية تغيير جيوسياسية ستكون خلالها كوبا الرقم الأصعب، بعد حصار فرضته الولايات المتحدة عليها منذ إطاحة الثورة الكوبية بنظام باتيستا عام 1958، حيث يعدّ الأطول في التاريخ الحديث.
بشار محي الدين المحمد