اقتصاديات الدولار… أداة عالمية للسيطرة على العالم
البعث الأسبوعية- عناية ناصر
تعرض العالم لعقود من الزمان لاقتصاديات الدولار الأمريكي، حيث قامت الولايات المتحدة بتوجيه العقوبات الأمريكية كلما رفض نظام مستقل وذاتي السيادة تنفيذ ما تطلبه واشنطن. هذه “العقوبات”، كما يسمونها حميدة، إلا أنها في الحقيقة غير ذلك على الاطلاق، فهي تتسبب بمعاناة إنسانية لا توصف تجاه الأكثر ضعفاً، وكبار السن، والأطفال والنساء، حيث تشير التقارير الواردة من “اليونيسف”، ومصادر أخرى مختلفة، أن معدل وفيات الأطفال وحده الذين قتلوا بسبب العقوبات في العراق خلال التسعينيات، يتراوح بين 500 ألف ومليون طفل.
عندما واجهت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، مادلين أولبرايت، بسؤال من قبل صحفي، حول العقوبات التي تسببت بمقتل مئات الآلاف من الأطفال، قالت أولبرايت: “إن الأمر كان يستحق ذلك”، لكن على الفور تمت إزالة هذا البيان بواسطة “مدققي الحقائق” أو تم التخلص منه بشكل تام.
هذه العقلية القاتلة- المجردة من أي ضمير إنساني- لا تزال سائدة في كل مكان في السياسة الخارجية الأمريكية، من هنا آن الأوان لكسر أداة الموت هذه المعلنة من جانب واحد على الاقتصاد العالمي.
لقد تسببت العقوبات على مدار نصف قرن على الأقل في مقتل الملايين إن لم يكن عشرات الملايين حول العالم، حيث أنه من الصعوبة بمكان تقدير الرقم بدقة، وذلك لأن العقوبات الاقتصادية ممكنة فقط لأن العالم كان، وإلى حد كبير لا يزال يعتمد على الدولار الأمريكي الذي لا يزال يسيطر على حوالي 60٪ من التعاملات التجارية والنقدية العالمية، وكان هذا الرقم قريباً من 100٪ فقط منذ حوالي 25 عاماً. لذلك، إن عالم التفكير السلمي- الشرق بسياسته الخاصة بفك الدولرة – يتحرك في الاتجاه الصحيح.
العقوبات جريمة ضد الإنسانية
لا أحد يجرؤ حتى الآن على وقف الجريمة مع بعض الاستثناءات القليلة، وذلك لأن منظومة الأمم المتحدة بأكملها ترقص على أنغام واشنطن، فالعديد من الحكومات تخشى رفع صوتها، بسبب الخوف من العقوبات، بينما أجبر آخرون من قبل واشنطن على اتباع أنظمة العقوبات الأمريكية المطبقة، وإلا…. .!!.
لقد كان هذا الأمر يتغير ببطء في السنوات العشر الماضية أو نحو ذلك، وهناك تحول كبير وشيك في المشهد، في المقاومة الفعالة لتلك العقوبات، وذلك من خلال إنشاء العديد من الشراكات الاستراتيجية والاقتصادية الآسيوية الجديدة، وتعزيز الشراكات القديمة منها. إضافة إلى أن هناك شراكة جديدة، على سبيل المثال، الشراكة الإستراتيجية بين روسيا وإيران، وقد يكون هناك المزيد من مثل هذه التحالفات مع تقدم الوقت، حيث يلتقي الغرب بالشرق، في مسعى للتعايش السلمي المفيد للطرفين. ولذلك تبرز أوراسيا كقارة مرنة، حيث تعمل سياسات القوة العظمى الصاعدة من قبل روسيا والصين على تهميش أوروبا والنظام النيوليبرالي المفروض من الغرب.
القوة الاقتصادية لأوراسيا
يمكن تلخيص حجم أوراسيا وإمكاناتها التجارية والاقتصادية على أفضل وجه من خلال حجمها الهائل البالغ ” 55 مليون كيلومتر مربع”، أي أكثر من ثلث مساحة اليابسة في العالم، وحوالي” 5.4 مليار شخص”، أي ما يقرب من 70٪ من سكان العالم. في الوقت نفسه، تعمل موسكو وبكين على تعزيز “مشاريع التكامل الأوراسية” ، و”مبادرة الحزام والطريق”، و”الاتحاد الاقتصادي الأوراسي” . قد يأتي تمويل “مبادرة الحزام والطريق”، ومشاريع البلدان الآسيوية الأخرى من ” البنك الآسيوي للاستثمار والبنية التحتية”- مقره في بكين – والذي تم فصله عن الدولار.
من أجل تجنب فقدان إمكانات التجارة الأوروبية في أوراسيا، قد يرغب الاتحاد الأوروبي، بقيادة ألمانيا، في تعديل استراتيجيتهم في آسيا، وذلك من خلال التخلي عن وضع التابع لواشنطن، والسعي إلى تحالفات سلمية وخالية من العقوبات مع دول أوراسيا والمنظمات التجارية. لكن حتى الآن، وتحت ضغط من واشنطن، فإنهم يفعلون العكس تماماً.
يجب تعريف أوراسيا حديثاً على أنها نهج أوروبي يسعى إلى التواصل مع الصين وروسيا، بدلاً من اتباع إملاءات واشنطن – الناتو- المنتدى الاقتصادي العالمي، والقوة الرأسمالية الهائلة التي تقف وراءها، حيث ستكون شركات “فانكارد”، و”بلاك روك”، و”ستايتستريت”، وآخرون عاجزون إذا قررت الحكومات بشكل جماعي وفي انسجام رفض ابتزازهم النقدي القائم على الدولار. إن التحدي هو كسر الخسارة من روابط العملات الورقية المدعومة بالدولار، والانضمام إلى الأفق الشرقي الجديد، حيث بلا شك، مستقبل سلمي ومزدهر قائم على أساس عملات ثابتة مدعومة بالاقتصاد.
الكتل الاقتصادية الآسيوية
إن التحول من الهيمنة الغربية أحادية القطب إلى عالم شرقي متعدد الأقطاب يتم فيه الحفاظ على السيادة الوطنية، يسير على قدم وساق، ولا يمكن إيقافه، حيث بات من الواضح أن القوة القسرية للغرب آخذة في الانحسار. إضافة إلى أن المحاولات الأخيرة لتوجيه الضربات العنيفة لروسيا والصين والتحالفات الشرقية بشكل عام ، عن طريق الدعاية والتهديدات النووية ، بدأت تفقد قوتها.
الأدوات التي تم استغلالها والتلاعب بها ، مثل الأمراض الوهمية ، مثل وباء “كوفيد -19″، وأي أنواع أخرى من الأوبئة التي قد يخترعها الغرب، بالإضافة إلى أزمات الطاقة الكاذبة، والتضخم المصنَّع ونقص الغذاء، والحروب بالوكالة، وجميع أدوات التخويف لترويع الناس بهدف تقليل عدد السكان، حتى يتوفر المزيد من الموارد لنخبة صغيرة تتظاهر بأنها مسؤولة عن ما تبقى من أكلة عديمة الجدوى، وإن تحولت إلى آكلة للحشرات. إضافة إلى رواية تغير المناخ – وأيضاً بسبب الخوف والشعور بالذنب من السكان الغربيين المضللين التعساء – تفقد بريقها، حيث بدأ مزيد من الناس يدركون حقيقة أن “تغير المناخ” هو بالفعل من صنع الإنسان، وليس بسبب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، بل من خلال الهندسة الجيولوجية التي استمرت لعقود. ووفقاً لورقة البنتاغون، ستسمح للولايات المتحدة بالتحكم في الطقس في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2025.
لقد تم تأكيد ذلك من خلال وثيقة لسلاح الجو الأمريكي بعنوان “الطقس كمضاعف القوة: امتلاك الطقس في عام 2025″، وبناء على تلك الوثيقة يمكن أن يكون تسليح الطقس آلة قتل قوية، فقد انتشر التلاعب الجغرافي بطرق مماثلة كما فعلت الطاقة النووية قبل حوالي ستين عاماً، حيث هناك اليوم ما لا يقل عن 50 دولة تتقن تكنولوجيا الهندسة الجيولوجية، مما يعني التلاعب بالطق، إلا أن ما يهم في النهاية هو التعايش السلمي بين الشعوب والأمم والمجتمعات، والتوازن المتزايد للرفاهية في جميع أنحاء العالم.