“أكلوا البيضة وقشرتها “
معن الغادري
في الحديث عن التجارب السابقة والحالية المستنسخة، في التعاطي مع الأزمات الاقتصادية والمعيشية والخدمية، نجد أن معظمها حصد الفشل الذريع، ولم تجد نفعاً، بل على العكس زادت الأوضاع سوءاً وتعقيداً، وأتت بمخرجات عكسية وبحلول عقيمة.
وفي الحديث أيضاً عن عشرات الجولات الوزارية الإطلاعية والتفقدية للمشاريع الجاري تنفيذها، وجولات المسؤولين المعنيين في حلب على ولقاءاتهم المتكررة مع الأهالي للوقوف على متطلباتهم واحتياجاتهم، نجد أيضاً أنها لم تف بالغرض والحاجة، ولم تخرج عن القاعدة المألوفة، ولم تقف عند حالة فساد واحدة، فالواقع من سيء إلى أسوأ والمشكلات والأزمات ذاتها، ومعظمها يتفاقم في ضوء قصور الرؤية وغياب الحلول الجذرية والنهائية، واتباع سياسات الترقيع وأسلوب المعالجات الإسعافية غير المجدية، والمكلفة – جهداً ومالاً – وهو ما أنتج بيئة فاسدة إدارياً ومالياً هي اليوم أكثر نشاطاً من أي يوم مضى، تنامت مع نشوء مافيات جديدة أفرزتها الظروف الاقتصادية الضاغطة، أكلت وما زالت تأكل “البيضة وقشرتها”.. وهنا تطول قائمة الأمثلة والشواهد، وليس آخرها ملف المحروقات الذي أصبح في عهدة العاصمة دمشق، كما علمنا، للتحقيق في تجاوزات وسرقات لمادتي المازوت والغاز المنزلي في حلب، والتي تقدر قيمتها بعشرات المليارات، إذ أسفرت النتائج الأولية للتحقيقات بتوقيف عدد غير قليل من المتورطين في هذا الملف، وما زال العدد مرشحاً للزيادة في ضوء التوسع بالتحقيقات والكشف عن متورطين جدد.
وفي وقت يرى العديد من متابعي هذا الملف أن اسناد مهمة التحقيقات إلى جهة عليا موثوقة في دمشق خطوة مهمة وبداية جديدة لضرب أوكار الفساد في حلب، واستعادة الأموال العامة المسروقة، يتساءل كثيرون هل سيقتصر القصاص على من تم توقيفهم، و”يا دار ما دخلك شر”؟ أم أنه سيطال من أمن لهم الحماية والغطاء، وشاركهم وقاسمهم الحصص طوال المدة المنتهية؟ وهو السؤال الأكثر إلحاحاً، بانتظار ما ستؤول إليه التحقيقات الجارية والمفتوحة على كافة الاحتمالات.
ما نود التأكيد عليه في هذه القضية أن حلب، وعلى خلفية ما تم كشفه من ملفات فساد، في ملفي الحبوب والمحروقات على وجه التحديد، وقبل ذلك في ملف الأبنية الآيلة للسقوط والأكثر خطراً على السلامة العامة، أن حلب في أيدي غير أمينة، وأن المخفي من الفساد أعظم.
مما تقدم نجد أنه حان الوقت لإجراء جردة حساب وغربلة حقيقية تفرز الغث من السمين، ما يتطلب فتح كل ملفات الفساد وإسناد مهمة التحقيق والتدقيق إلى لجان مركزية متخصصة تعمل بأسلوب مهني واحترافي، وبصلاحيات واسعة مدعومة قضائياً، وأن لا يستثنى أحد من المتورطين مهما علا شأنه ومنصبه، ولعل أكثر ما يتمناه المواطن الحلبي هو عدم اشراك أي جهة من حلب بالتحقيقات، حرصاً على حسن سير التحقيق ومصداقيته ودقة وصحة المعلومات والأدلة.