إدارة بايدن تُظهر الانفتاح على الصين وتخفي استمرار التصعيد
البعث الأسبوعية – بشار محي الدين المحمد:
لاحظ المراقبون مؤخراً تزايداً في الانفتاح بين حلفاء أمريكا في أوروبا وحتى في آسيا نحو الصين، تبعه لقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن مع الرئيس الصيني شي جي بينغ. وعلى الرغم من تصريحات الترحيب والتهدئة إلا أن النار ما زالت تحت الرماد، وما زالت واشنطن تتابع خطواتها التصعيدية ضدّ بكين.
فقد سمعنا بشكلٍ متزامن واشنطن وهي تدعو حلفاءها في الشرق الأوسط إلى عدم التوجّه نحو التعاون الوثيق مع الصين وخاصةً في المسائل الأمنية، وهذا ما يشي بمخاوفهم الكامنة من تنامي علاقات الصين في المنطقة، ناهيك عن اتهاماتٍ أمريكية للصين بأنها جهّزت صواريخ بالستية ضمن ست غواصات نووية يمكنها استهداف أمريكا بسهولة، وعلى الرغم من أن لأمريكا العديد من القواعد القريبة من الصين، إلا أنها تناقض نفسها وتعتبر أن ما ادّعته يعدّ بمنزلة وضع قواعد صينية على سواحلها، وتربط ذلك مع وجود غواصات نووية روسية في مياه المتجمّد الشمالي، معتبرة أن ما يحصل يجعلها في حالة من الرعب، وخاصةً أن أساطيل الغواصات النووية قادرة على تحطيمها من تحت الماء مع صمودها لفترة طويلة دون الحاجة للتزوّد بالوقود في حال رغبتها بالحرب والتصعيد.
كذلك فشلت واشنطن في محاولاتها المتكرّرة لضم الصين للدول المعارضة للعملية الخاصة الروسية في أوكرانيا، وفي خلق صدع في التحالف الاستراتيجي الصيني الروسي، ويؤكد ذلك ابتعاد واشنطن حتى اللحظة عن اتهام الصين بمدّ روسيا بالأسلحة في عمليتها الخاصة، في حين تواصل كيل اتهاماتها المتكرّرة لإيران وكوريا الديمقراطية بدعم روسيا عسكرياً.
يُضاف إلى ذلك زيارة نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس للفلبين، التي يُستشفّ منها سعيُ واشنطن إلى لعب دورٍ استفزازي للصين عبر جرّ جيرانها نحو المواجهة العسكرية وذلك طبعاً يناقض الأجواء الإيجابية التي سادت خلال جلسةٍ سبقت هذه الزيارة بين هاريس ذاتها والرئيس شي، حيث أكدت تعزيز العلاقات بين بلادها والصين، كما قامت واشنطن بحركات استفزازيةٍ جديدة تتمثل بنشر قاذفات B52 في سواحل شبه الجزيرة الكورية الجنوبية بذريعة إقامة تدريبات مشتركة.
إنّ استراتيجية الأمن القومي الأمريكية ما زالت تعدّ النمو الاقتصادي الصيني الخطر الأكبر – الطويل الأمد عليها حتى اللحظة، وعلى الرغم من ذلك فإنها تنتهج ثلاثة مسارات مترافقة تتمثل في الاستثمار والتوافق والتنافس، وفي حال فشل التوافق ستتابع أمريكا سياستها العدائية التصعيدية تجاه الصين على المدى البعيد، كما تحاول بناء شراكات وثيقة أو بالأحرى تبعيات لها ضمن جيران الصين ودول آسيا – الباسفيك، محاولةً مواجهة النموّ الصيني المتزايد الذي تعدّه واشنطن مقوّضاً “لسيادتها وهيمنتها على العالم”، بل تقيم تعاوناتٍ أمنية وعسكرية مع تلك الدول، في حين تتابع الصين بناء العلاقات الاقتصادية “البحتة” المبنية على السلم مع كل دول العالم بما فيهم حلفاء أمريكا حتى ضمن آسيا، وتوطّد المصالح وتحرص على بقاء سلاسل التوريد معهم، كما تعمل على جذب الشركات الأمريكية للتعاون معها اقتصادياً على اعتبار أن تلك الشركات لا تتأثر بتوجيهات الإدارة الأمريكية خارجياً، وتستمرّ الصين بخطواتها الذكية لبناء المزيد من التوافق مع تلك الشركات، علاوةً على ذلك، حاول الرئيس شي طمأنة بايدن قائلاً: إنّ العالم واسع ويمكن للصين والولايات المتحدة الاستثمار ضمنه، لكن شي في الوقت ذاته لمّح إلى أنّ دول الباسفيك- الآسيوية لن تكون حديقة خلفية لأحد.
تبرز أيضاً المسألة التايوانية التي ستبقى عائقاً في وجه العلاقات، فهي بالنسبة للصين مسألة وطنية لا يمكن التنازل عنها بأي شكل من الأشكال، بينما تدعم الولايات المتحدة كل محاولات الانفصال والاستفزاز في تايوان ولم تتخلّ عن مطامعها ضمنها حتى اللحظة.
أما فيما يتعلق بدول وسط آسيا، فإن أمريكا تعدّ أنّ هناك فراغاً يجب ملؤه، وأكد ذلك الأمر تحذيرات روسية من أنّ واشنطن تدرس مسرح عمليات وخرائط عسكرية لتلك المنطقة في ظل مخاوفها بعد الحرب الأوكرانية من تعدّد أقطاب العالم ونموّ أقطاب في الشرق مناهضة لها بقوة، حيث تنظر أمريكا لهذه المنطقة على أنها منطقة حيوية تربط الصين بروسيا وتربط الصين بأوروبا، ناهيك عن غناها بحوامل الطاقة، ووقوعها على طريق الحرير الجديد، وكونها مكاناً معزّزاً للتبادل بين الصين وأوروبا ومؤمّناً لإمدادات الطاقة لا يمكن السماح لواشنطن بالتحكم فيه في حين أنها تتحكّم بالبحار والمضائق فقط، وبناءً على ذلك تسعى جاهدة الآن إلى خلق جبهات توتر في تلك المناطق بحيث تملأ الفراغ عبر سياساتها المعهودة من خلال تحريك ثوراتٍ ملوّنة، أو حروب وصراعات كان آخرها الصراع الحدودي بين طاجيكستان وقيرغيزستان، وانسحابها المفاجئ من أفغانستان لمصلحة طالبان.
وعلى المقلب الآخر نجد الصين تقف بكل إصرار مع حليفتها روسيا لإنشاء تكامل اقتصادي يطوّق الخلافات بين تلك الدول، ويعزّز التعاون والتبادل التجاري فيما بينها، لتتمكّن تلك الدول من مجابهة الثورات الملوّنة المصدّرة إليها والحفاظ على الاستقرار.
من كل ما تقدّم نجد أنّ أمريكا وحتى اللحظة تتبنّى سياسة خلق التوتر في كل بقاع الأرض لإبقاء هيمنتها من جهة، ومن جهة أخرى تحاول كسب الوقت وإظهار الميل نحو التفاوض على عدة جبهات تعدّها جاهزة للإشعال عبر تحريك استفزازات عبر الدول التابعة لها، وتكتفي الآن بالتفرّج على أوكرانيا بعد أن دفعتها إلى استفزاز روسيا، وحتى لو لم تفعل ذلك لكانت دفعت دولاً أخرى للعب هذا الدور ضدّ الصين، لكنها الآن تعاني من العجز والتخبّط، ولم تجنِ أية نتيجة من صراعها الأول، فكيف ستنتقل إلى غيره مهما ظنّت أنها تمتلك من المكر والقوة؟.