مجلة البعث الأسبوعية

المخرج المسرحي الراحل محمود خضور… شراكة إبداعية مع الكاتب ممدوح عدوان

أمينة عباس

فقدت الساحة الفنية مؤخراً المخرج المسرحي محمود خضور صاحب التجربة المسرحية الغنية في المسرح السوري منذ سبعينيات القرن الماضي، والذي تشارك مع الكاتب المسرحي الراحل سعد الله ونوس مكان الولادة في قرية حصين البحر، ومع هذا لم يتسنَّ له إخراج أي نص مسرحي لونوس وقد ظل لسنوات طويلة يحلم بإخراج نص مسرحي له إلا أن الظروف منعته من تحقيق هذا الحلم، في حين حقق شراكة متميزة مع الكاتب المسرحي الراحل ممدوح عدوانوهو الذي كان يؤمن أن الفن كما الحب لا يُعَلَّم.

عازف ومطرب في طرطوس

بدأت ميول محمود خضور الفنية من خلال العزف على آلة العود وهو في المرحلة الإعدادية، وأول من شجعه على ذلك مدرّس اللغة العربية الذي كتب له كلمات أغنيات قام بتلحينها وغنائها وهو في الصف التاسع، وفي المرحلة الثانوية كان يحيي حفلات في ساحات طرطوس وبانياس وصافيتا، وأبرز من شجعه في تلك المرحلة جاره في القرية الكاتب حيدر حيدر، بالإضافة إلى تشجيع الأهل، بنفس الوقت الذي كان فيه منكبّاً على القراءة.

 

إخراج مسرحي في موسكو

بعد نيله لشهادة البكالوريا سافر خضور في بعثة إلى موسكو لدراسة الإخراج المسرحي، وهناك التقى بالأدباء سعيد حورانية وسميح القاسم ومحمود درويش، وكان يغنّي على مسارح موسكو باللغتين العربية والروسية خلال دراسته في المعهد العالي للفنون المسرحية وهو من أكبر المعاهد في العالم، وبعد تخرجه عام 1973 عاد إلى الوطن مخرجاً، وقد احتضنته بدايةً مدينةُ حلب، وتعاون في أول عمل من إخراجه مع الكاتب المسرحي الراحل وليد إخلاصي من خلال مسرحية “يوم أسقطنا طائر الوهم” وفي العام 1975 أخرج “الأرض والذئاب” عن نص للكاتب المغربي الظيب العلج، ليخرج عام 1976 “بانوراما مقهى عربي” للكاتب سهيل ابراهيم، وقُدّمت هذه المسرحيات في مسرح الشعب بحلب.

شراكة مسرحية مع ممدوح عدوان

وانتقل محمود خضور من حلب إلى دمشق ليبدأ مرحلة جديدة هامة في مسيرته وهي مرحلة تعاونه مع ممدوح عدوان حيث كان التنافس على أشدّه آنذاك بين سعد الله ونوس وممدوح عدوان الذي تعرَّف عليه خضور بفضل الكاتب حيدر حيدر، وقد تجسدت هذه المعرفة عندما اختار خضور لعدوان 1978مسرحية “هاملت يستيقظ متأخراً” التي تحاكي الواقع، حيث أخذ عدوان الفكرة من مسرحية لشكسبير وأسقطها على واقعنا، وأسند خضور حينها دور هاملت للفنان رشيد عساف في أول دور مسرحي له خارج إطار المسرح الجامعي، وقد أثارت المسرحية آنذاك ضجة كبيرة في الأوساط الثقافية والأدبية والشعبية، واستمر عرضها أربعين يوماً، وجسد شخصياتها الفنانون: ثراء دبسي وهالة شوكت وعدنان بركات وبسام لطفي ومنى واصف، وكانت هذه المسرحية بداية رحلة لم تنتهِ إلا بعد عدد كبير من المسرحيات، وهنا يقول خضور في أحد لقاءاته: “في كل عام كان يخرج فواز الساجر عرضاً من تأليف سعد الله ونوس وأنا أخرج عرضاً من تأليف ممدوح عدوان، وكان حينها الفنان أسعد فضة مديراً للمسارح وقد ساهم بشكل كبير في تطوير الحركة المسرحية، فكان هناك نوع من التنافس الإبداعي والأخلاقي من أجل تطوير الحركة الثقافية، وعندما كنا نقوم بإجراء البروفات في مسرح القباني أو الحمراء كان الفنانون يأتون إلى البروفات وهم مستعدون للنقاش مع المخرج، ومنهم من أصبح نجماً فيما بعد كغسان مسعود وعدنان بركات ورشيد عساف وجيانا عيد، وكنا جميعاً نتعاون لإنجاز العرض المسرحي، وكانت علاقاتنا صادقة وشفافة خلال البروفات، وكان الممثلون يتحاورون لمدة أسبوعين أحياناً حول مشهد معين حتى نصل إلى التوافق في الرأي ويقنع بعضُنا الآخرين بوجهة نظرهم” ووصف محمود خضور تلك المرحلة: “أتمنى أن يعود الزمن خمسين سنة للوراء لأنني أعدّ تلك المرحلة ذهبية ثقافياً وفنياً وفكرياَ” وعلى الرغم من العدد الكبير من الأعمال المسرحية التي تعاون فيها خضور مخرجاً مع عدوان كاتباً إلا أنه  كان يتحدث دائماً عن تجربتهما في مسرحية “اللمبة” التي كانت موجهة لذوي الاحتياجات الخاصة والذين شاركوا فيها كممثلين وهو عمل لم يرَ النور إلا بعد جهد كبير بين الكاتب والمخرج استمر نحو عشرة أشهر كتابة وتدريباً، الأمر الذي أتاح لخضور الولوج العميق إلى عوالم ممدوح عدوان التي أغرم بها وأثمرت شراكة فنية قال عنها خضور: “كان عدوان مجمّعاً ثقافياً إبداعياً لعوالم وأزمنة كثيرة، وكنا راضين عن العروض المسرحية التي قدمناها، والسبب هو التوافق الفكري والسياسي بيني كمخرج وبين النص المسرحي الذي كان يكتبه عدوان لأنه بغياب هذا التوافق لن ينجح العمل” وبلغ عدد مسرحيات خضور مع عدوان 13 عملاً مسرحياً، كان آخرها الميراث، ونذكر منها: “زيارة الملكة، اللمبة، الخادمة، ساعي بريد نيرودا، الفارسة والشاعر” وبعيداً عن نصوص عدوان أخرج خضور عدداً من المسرحيات نذكر منها: “مقام ابراهيم وصفية” للكاتب وليدإخلاصيو”عزيزي مارات المسكين” للكاتب الروسي ألكسي أربوزوفو “المدينة المليونيرة” لإدواردو دي فيليبوو “جوارب النجاة” لفيصل الراشد و”نبوخذ نصر” لطلال نصرالدين.‏

أستاذ وممثل

كان محمود خضور أستاذاً لمادة التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية لمدة أربعة عشر عاماً منذ أن كان مقر المعهد في دمّر، وكانت علاقته بطلابه ودية وقائمة على الصدق والصراحة، ومنهم من أثبت جدارته وصار ممثلاً مشهوراً، وفيما بعد صاروا أصدقاء له مثل زهير عبد الكريم وزهير رمضان وجيانا عيد.. كما كانت لخضور محاولات على صعيد التمثيل في أعمال تلفزيونية عرَّفت الناس عليه بشكل أوسع، ومع هذا كان يؤمن أن للتلفزيون عالمه الخاص، وللمسرح كذلك ولا يمكن أن يلتقيا إبداعياً.. وحاول خضور أيضاً أن يكتب نصاً مسرحياً مونودرامياً يحكي فيها عن تجاربه وطموحه، لكنه لم يفعل، والسبب برأيه أنه كان سريع التأثر، وقد يشعر برغبة في البكاء أمام الجمهور لأنه فكر أن يؤديه بنفسه على خشبة المسرح.

أمنية لم تتحقق

رحل محمود خضور قبل أن يحقق أمنيته في أن تكون خاتمة أعماله المسرحية لممدوح عدوان كما بدأها معه وهي إخراج نص “الوحوش لا تغني” الذي استشرف فيه عدوان ما مرت به سورية، إلا أن وضعه الصحي لم يساعده على تحقيق هذه الأمنية .

كُرّم محمود خضور الدورة الثانية عشرة من مهرجان دمشق المسرحي عام 2004 وهو التكريم الذي اعتبره خضور حينذاك تتويجاً لمسيرته المسرحية في عالم الإخراج والممتدة زمنياً إلى النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي.

بصمة واضحة

يقول الفنان يوسف المقبل عن الراحل محمود خضور أنه المخرج الذي ترك بصمة واضحة ومميزة في مسيرة المسرح السوري، وهو من أكثر المخرجين المسرحيين إنتاجا في تاريخ المسرح القومي التابع لمديرية المسارح والموسيقا وقد عمل معه المقبل في مسرحية “الميراث” نص ممدوح عدوان في العام 2011.