مجلة البعث الأسبوعية

الموازنة العامة للدولة لا تراعي التضخم ولا تقلبات الأسعار وترفض مقارنة الرواتب والأجور بما كانت عليه قبل 2011؟!

البعث الأسبوعية ـ علي عبود

نادراً ما يكشف مسؤول في وزارة المالية عن الأسس الحقيقية التي تُعتمد عند وضع الموازنات العامة للدولة، وقد خرج معاون وزير المالية لشؤون الإنفاق العام الدكتور منهل هناوي عن المألوف إلى حدد ما، فكشف عن بعض هذه الأسس أو المعطيات فأتى كلامه كالذهب الرنان!!

اعترف معاون الوزير بأن (موازنة عام 2023 لا تحقق المطلوب أو لنقل لا تراعي تقلبات الأسعار أو التضخم الذي وصل لأرقام قياسية)، فهل هذا الاعتراف يعني أن الموازنة العام للدولة كانت خلال السنوات الماضية نظرية أو ورقية تعكس رؤية أو تفكير الحكومة خلال عام من الزمن؟

توجيه شفوي أم قرار خطي؟

لا يمكن أن نستنتج من هذا “الكشف” سوى إن الموازنة العامة للدولة لم تكن في السنوات العشر الأخيرة واقعية، بدليل أنها لم تراع تقلبات الأسعار ولا التضخم!!

ولا ندري ما أهمية الموازنة إن لم تعكس الواقع من جهة، وترصد الإعتمادات اللازمة لتنفيذ مشاريع لتغيير الواقع من جهة أخرى، أي اعتماد آليات فعالة لتخفيض التضخم والحد من تقلبات الأسعار، أي الإجراءات الكفيلة بتحسين سعر الصرف وزيادة القدرة الشرائية لملايين الأسر السورية.

والسؤال:هل تجاهلت وزارة المالية عامل التضخم عند إعدادها لموازنات الدولة بتوجيه شفوي أو قرار خطي من رئاسة مجلس الوزراء أم فعلتها لسبب قاهر لا علاقة له بالواقع كما هو؟

لقد أعلنها معاون وزير المالية لشؤون الإنفاق بكلمات من ذهب (لا تستطيع وزارة المالية أو الحكومة أن تضع موازنة عامة للدولة على أرقام تضخمية، فهذا سيجعل الموازنة تتضاعف بشكل أكبر!).

ترى هل معالجة المشكلة يكون بإنكارها أو تجاهلها عمدا، أم بمعالجتها عبر خطط اقتصادية تُرصد لها الإعتمادات الكافية لكبح التضخم والحد من تقلبات الأسعار؟

اعتراف بالتضخم

حسنا، بما أن أرقام الموازنة العامة للدولة لا تعكس الأسعار التضخمية، أي لا تعترف بها فعلى أي أساس اعتمدت سعر صرف الدولار بمبلغ 3000 ليرة؟

إن صرف الإعتمادات المرصودة في الموازنة وفق لسعر الصرف الرسمي هو اعتراف بالتضخم، والدليل إن أسعار السلع والخدمات الحكومية تتعدّل دائما حسب تقلبات سعر الصرف الرسمي، وأسعار منتجات القطاع الخاص تعدل وفق سعر الصرف الأسود!

وبما إن أسعار السلع والخدمات تُعدل دوريا في القطاع العام وفق سعر المصرف المركزي، وبما أن القطاع الخاص يُعدل أسعاره يوميا وفق سعر الصرف الأسود، وبما أن القوة الشرائية للرواتب والأجور تنخفض يوما بعد يوم، فما الجدوى من موازنة لا تعالج هذه الوقائع المستفزة لملايين الأسر السورية؟

لقد تحولت الموازنة حسب تصريحات مسؤولين في وزارة المالية إلى مجرد ميزانية عادية لدى أي تاجر أوبائع تلحظ الواردات والنفقات لسنة ، ومقدار العجز المتوقع..الخ!

ويقولها معاون الوزير بكلام من ذهب: “لا نستطيع أن نقارن موازنة العامة 2020 أو 2021 أو 2018 بموازنات ما قبل الحرب، فعلى سبيل المثال موازنة 2011 كانت 835 مليار ليرة بسعر صرف 50 ليرة، يعني الموازنة في ذلك الحين كانت حوالي 16 مليار دولار، واليوم إذا أردنا أن نقيس موازنة العام القادم على تقلبات سعر الصرف الرسمي 3015 ليرة هذا يعني أننا سنضع موازنة تفوق الموازنة الحالية بثلاثة أضعاف بحوالي 50 إلى 60 تريليون الأمر الذي سيفاقم العجز!”.

وفق أي أسعار ستصرف الإعتمادات؟

انه فعلا كلام من ذهب، لكننا نريد أن نعرف السبب الذي يدفع بالحكومة على تطبيقه في موازناتها العامة ولا تطبقه على أسعار السلع والخدمات والرواتب والأجور!

وإذا كان (من غير الممكن اقتصاديا أو محاسبيا أو بالسياسة النقدية أن تلحق الموازنة العامة للدولة بتقلبات سعر الصرف، وتأثيره على الأسواق)، فعلى أي أساس ستصرف إعتمادات الموازنة بشقيها الجاري والاستثماري  وفق الأسعار الثابتة لعام 2010 أم الأسعار الجارية لعام 2022؟

ويصل كلام المعاون الموزون بالذهب إلى الإعلان عن الهدف الرئيسي من الموازنة التي لا تراعي تقلبات الأسعار ولا التضخم إلى زبدة الكلام فأضاف بزهو”أن الموازنة العامة للدولة للعام القادم تضع أهدافا وأولويات ترتكز عليها وتقوم على تأمين الاحتياجات الأساسية!”

هذه المعلومة هي فعلا من ذهب فيما لو خططت الحكومة فعلا لرصد الإعتمادات الكافية لتأمين الاحتياجات الأساسية لملايين الأسر السورية واحتياجات الصناعيين وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر..الخ.

ولكن عندما يؤكد الخبراء في قراءة الموازنة إن إعتمادات الدعم الاجتماعي انخفضت، فهذا دليل وبرهان على كلام معاون وزير المالية بأن الموازنة لا تراعي تقلبات الأسعار ولا التضخم ولا يصح مقارنتها بأعوام ما قبل 2011!!

وماذا عن الرواتب والأجور؟

وما لم تكشفه تصريحات المسؤولين في وزارة المالية، نستنتجه بسهولة من حديثها عن التضخم وتقلبات الأسعار في الموازنة العامة للدولة، أي لا يمكن مقارنة الرواتب والأجور حاليا بأعوام ما قبل 2011 لأن هذا برأيهم يعني “أننا سنضع موازنة تفوق الموازنة الحالية بثلاثة أضعاف بحوالي 50 إلى 60 تريليون الأمر الذي سيفاقم العجز!”

لا يهم وزارة المالية هنا العجز الكارثي الذي يرخي بثقله المريع على كاهل ملايين الأسر السورية لأنها ترفض تعديل دخلها في كل مرة تُعدل فيه سعر الصرف، وفي كل مرة توافق على تعديل أسعار السلع والخدمات، وتتجاهل ما يفعله القطاع الخاص من رفع شبه يومي للأسعار..الخ.

المهم بالنسبة لوزارة المالية أنه لا يمكن مقارنة أجور ورواتب العاملين بأعوام ما قبل عام 2011 !!

 

هل يمكن تنفيذ أهداف الموازنة؟

ويقطر كلام هناوي ذهبا بقوله أن هناك “ثلاثة أهداف أساسية لموازنة العام 2023 هي الاستمرار بتوفير المتطلبات الأساسية بقطاع التربية والصحة والتموين والأنشطة الخدمية الأساسية التي تقدمها مجانا للمواطنين ودعم النشاط الاقتصادي وخاصة قطاعي الزراعة والصناعة وإعطائهم الأولوية بالاعتمادات وخاصة الصناعة لتحريك عجلة الوطني”

ترى هل قررت الحكومة أخيرا بإنجازها لموازنة عام 2023 على الرغم من تجاهلها لتقلبات الأسعار والتضخم ان تنفق الإعتمادات التي تحتاجها القطاعات الرئيسية من تربية وصحة وزراعة وصناعة، بما يتيح الاكتفاء الذاتي من السلع الرئيسية مع فائض للتصدير .. أم إن هذا الأمر من المستحيلات في موازنة إعتماداتها الفعلية أقل بكثير من إعتمادات موازنات ما قبل عام2011 ؟

 

الخلاصة:

نعم، إن رأي معاون وزير المالية بأن العجز بالموازنة ليس من الأمور المعيبة هو رأي يقطر ذهبا، ونعم كل دول العالم تعاني من العجز، لكن السؤال قطعا لا يُختصر بسؤال: كيف سنؤمن هذا العجز؟

فالأكثر أهمية من البحث عن موارد كمكافحة التهرب الضريبي وفعالية الإدارة الضريبية والتركيز على الفوترة وأتمتة العمل الضريبي وسندات الخزينة.. هو الجواب على السؤال: أين ستنفق الأموال المسبّبة للعجز على الإنتاج والتصنيع أم على الاستهلاك ؟