سورية وبيلاروس.. وتفكيك منظومة الهيمنة
طلال ياسر الزعبي
رغم المسافة البعيدة نسبياً بين البلدين، غير أن هناك رابطاً قويّاً يجمعهما، فهما يعدّان من أوائل الدول المؤسسة للأمم المتحدة، كما أنهما يشتركان في أنهما كانا دائماً عرضة للأطماع الغربية، وتربطهما علاقات دبلوماسية قوية ومتميّزة، وهما اليوم في خندق واحد لبناء عالم ما بعد الأحادية القطبية ومواجهة الحصار الاقتصادي والعقوبات الظالمة وغير الشرعية.
سورية وبيلاروس تعرّضتا للعقوبات الغربية عامة، والأمريكية خاصة، على خلفية رفضهما المحاولات الغربية المزمنة للهيمنة على العالم، حيث تعرّضت سورية تاريخياً لمحاولات عديدة لجرّها إلى الحظيرة الأمريكية وتطويعها لقبول السياسات الأمريكية في العالم، والتخلي عن حركات التحرر والمقاومة للمشروع الأمريكي الصهيوني الهادف للسيطرة على العالم، فكان رفض سورية للهيمنة سبباً رئيساً في استهدافها عبر المخططات الأمريكية من خلال الحرب المركّبة التي فُرضت عليها منذ أكثر من عشرة أعوام، واستخدمت فيها واشنطن كل أساليبها القذرة من تسليح ودعم للمنظمات الإرهابية العابرة للحدود، وتأمين التغطية السياسية لهذه الحركات الإرهابية، فضلاً عن التضليل الإعلامي الممنهج، والضغط الاقتصادي الهائل والمركّز على الشعب السوري لإجباره على التخلّي عن قضاياه الأساسية في التحرير والتنمية، وفرض الاستسلام عليه خدمة للمشروع الصهيوني في المنطقة.
وفي هذا الوقت، كانت بيلاروس تتعرّض لعقوبات غربية مشابهة، على خلفية رفضها هي الأخرى المشاريع الأطلسية الرامية إلى الهيمنة على العالم ومحاصرة روسيا وفرض الاستسلام عليها، لمنعها من المساهمة في بناء نظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب تسوده قيم العدل والتسامح وتكافؤ فرص العيش بين دول العالم، بعيداً عن الهيمنة والعبودية واستغلال الشعوب والسيطرة على ثرواتها، فكان أن تعرضت بدورها لـ”ثورة ملوّنة” تمكّن شعب بيلاروس من احتوائها بحزم وسرعة قياسية.
ومن هنا، جاء تأكيد السيد الرئيس بشار الأسد خلال استقباله رئيس وزراء جمهورية بيلاروس والوفد المرافق له، وتسلّمه رسالةً من الرئيس لوكاشينكو حول تطوير التعاون الثنائي، أهمية توحيد الجهود من أجل مواجهة الحروب التي بات الغرب يشنّها حتى يستطيع الاستمرار بمنظومة الهيمنة، إضافة إلى إقامة شبكة علاقات اقتصادية مع الدول التي تمتلك المبادئ والقيم نفسها وعندها سيصبح الغرب معزولاً.
فمن الطبيعي، بالنظر إلى تشابه الظروف، أن تكون علاقات البلدين السياسية قوية ومشهوداً لها بذلك، وهذا بطبيعة الحال يفرض أن ترتقي العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى مستوى هذه العلاقات السياسية، ومن هنا كانت زيارة وفد جمهورية بيلاروس إلى سورية تنفيذاً لرؤية رئيسي البلدين بشار الأسد وألكسندر لوكاشينكو في تعزيز التعاون الثنائي بينهما وتطويره بما يتناسب مع علاقات الصداقة التي تجمعهما، وخاصة في ظل الظروف الإقليمية والدولية الراهنة والتحدّيات المشتركة التي تواجه البلدين من الإرهاب إلى العقوبات الاقتصادية الجائرة الأحادية الجانب.
ولذلك جاء توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مختلف المجالات انعكاساً للرغبة المشتركة في تعزيز التعاون بين البلدين بهدف كسر الحصار المفروض عليهما من جانب واحد، بعيداً عن هيمنة القطب الواحد التي أفرزت جميع المشكلات العالمية القائمة حالياً من فقر وجوع وحروب ودمار.