منتجات المشاريع متناهية الصغر غير مراقبة صحياً.. والتراخيص الإدارية “غير كافية”
البعث – فاتن شنان
تدني القدرة الشرائية لدى معظم فئات المجتمع انعكس ارتفاعاً وتنوعاً بإقامة مشاريع متناهية الصغر، مشاريع بسيطة ومبتكرة شكلت حلاً لتوفير أو تعزيز موارد مالية لأصحابها للتصدي لموجة الغلاء والتضخم الآخذ في الازدياد، فمن الصناعات الغذائية البسيطة كالألبان والأجبان المنزلية إلى الصناعات اليدوية والحرفية الفنية، بالإضافة لتنفيذ مشاريع تحمل حلول مبتكرة لإشكاليات طارئة سببها نقص المواد الأولية أو المحروقات كمدافئ الاسبيرتو المنتشرة مؤخراً في الأسواق على سبيل المثال لا الحصر، وعلى الرغم من أهمية تلك المشروعات اقتصادياً ومالياً وما توفره من موارد مالية لأصحابها إلا أنها تكتنف في بعض الأحيان خطورات عالية سواء كانت مخاطر صحية لانعدام القدرة فيها على تطبيق المعايير والمواصفات الصحية أو بعدها عن عيون الرقابة كونها تصنع في المنازل أو ورشات غير معروفة، أو مخاطر بيئية وغياب المواصفات القياسية لبساطة المعدات وضعف التمويل اللازم لإنتاج منتجات بجودة عالية.
جيد ولكن
مع التأكيد على ضرورة دعم نمو هذا القطاع وتوسيع رقعة مشاريعه، لكنه بحاجة ماسة إلى ضبط وتنظيم ممنهج يمنع ظهور آثارها السلبية على المجتمع، ولاشك أن هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة خطت خطوات باتجاه تنظيمه ونقله من منطقة الظل إلى الاقتصاد المنظم وإخضاعه إلى الرقابة والمتابعة من خلال تسجيل أصحاب المشاريع وإخضاعهم في برامج تدريبية ومن ثم تسويقية وتسهيل عملية التمويل، إلا أنها قامت مؤخراً وحسب ما صرح به مدير عام الهيئة ايهاب اسمندر بمنحهم تراخيص إدارية مؤقتة وعلامات تجارية لازمة للمشاريع تسمح لهم إقامة مشاريعهم بشكل منظم وقانوني جاء نتيجة المطالبات العديدة من قبل أصحاب المشاريع للتمكن من الاستفادة من المزايا ولاسيما التمويل المصرفي، الأمر الذي اعتبره بعض خبراء الاقتصاد إجراء يصلح للمهن والمشاريع ذات الطابع الإنتاجي والحرفي أما المنتجات الغذائية والكيميائية فلها خصوصية الأثر الصحي والبيئي المباشر على المجتمع وبالتالي عندما تمتلك تلك المشاريع تراخيص تمكنها من طرح منتجات غير مراقبة “صحياً وتقنياً” في الأسواق سيرفع نسبة تلك المخاطر، مرجحين السبب في اعتمادها لأسباب ضريية واقتصادية بحتة.
يُحاسب عنه
مدير عام الهيئة ايهاب اسمندر أوضح أن التراخيص الإدارية تمكن المشاريع من العمل بشكل قانوني وهي تراخيص مؤقتة بمدة أقصاها خمس سنوات وكذلك الأمر بالنسبة للعلامات التجارية، داحضاً أن يكون هناك تساهل في عملية الرقابة والمتابعة لوجود خطوات تسبق منح الترخيص تقوم بها الهيئة كدراسة المشروع من كافة الجوانب ورفعه للجنة المشكلة من المحافظة والهيئة والوحدة الإدارية للاطلاع على بيانات المشروع، واللجنة تقوم بدراسة المكان المخصص للمشروع والتأكد من عدم وجود عوائق لقيامه أو اكتنافه على أخطار محتملة، منوهاً أن التراخيص الإدارية مطبقة بمحافظة طرطوس منذ ستة أشهر ومحافظة حماه منذ ثلاثة أشهر تقريباً، على أن تشمل باقي المحافظات تباعاً كمحافظة حلب واللاذقية إلا أن التوجه حالياً نحو المناطق البعيدة والأرياف لارتفاع نسب تلك المشاريع فيها.
مسؤولية المواطن
على الرغم من أهمية الإجراءات المتبعة إلا أن الجانب الصحي قد يصعب متابعته بعد إقلاع الورشات والمشاريع بالعمل، لاسيما وجودها في المنازل، الأمر الذي بينه اسمندر بأن الترخيص يسمح لكل الجهات المعنية بالإطلاع وتفقد المشروع ومنها الصحة والتموين، وعلى الرغم مما تلاه اسمندر من إجراءات منفذة ركز في إجابته على الأضرار الصحية المحتملة من منتجات تلك المشاريع على ركنين أساسين أولهما أن صاحب المشروع مسؤول قانونياً على منتجاته ويُحاسب في حال وجود أية مخالفات ضمنه، وثانيهما أن المواطن يتحمل مسؤولية اختياره أيضاً فمن الطبيعي أن يتوخى الحذر في انتقاء السلع وشرائها.
تحليل المضمون
بعض المنتجات الغذائية والكيمائية تبين خلال تحليل عينة منها عدم وجود المادة الأساسية لها، بل وجود مواد لاعلاقة لها بمكونات المنتج الأساسي، عدا عن غياب أسس السلامة الصحية والتي تؤكدها الضبوط العديدة المنظمة من قبل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك يومياً لورشات تعمل بظروف غير صحية، تمرس أصحابها بأساليب غش متنوعة لخفض التكاليف الحقيقية لذلك المنتج وزيادة الأرباح، وإغراق الأسواق بمنتجات ذات جودة متدنية بأسعار منخفضة، وبالتالي بعيداً عن محتواها إلا أنها تقلل نسبة عبورها إلى أسواق مجاورة “كما تطمح الهيئة” لعدم تطابقها مع المواصفات المطلوبة، وبالتالي تخسر على صعيدين أهمها فرصتها في النمو والاستمرارية، وخسارة اقتصادية بتمويلها وبقائها ضمن نطاق ضيق غير مجدي اقتصادياً وغير قادرة على التوسع إلى مشاريع صغيرة والمنافسة مع نظيراتها المعروفة، بحسب رأي المهتم بالشأن التسويقي وائل الحسن، كما أن الاستسهلال في الرقابة والمتابعة في إنتاج المواد الغذائية منعت في بعض الأحيان منتجاتنا المحلية من التصدير لعدم تطابقها مع المواصفات المطلوبة أو المكونات المدونة على المنتجات، ليؤكد أن وجود تراخيص مؤقتة للمنتجات الغذائية غير صحيح وليست كافية لإنتاج منتجات صحية واعتمادها يساهم في ارتفاع نسب تلك المنتجات، مقترحاً إحداث هيئة أو إلزام جهة معنية مهمتها تنظم وتراقب منتجات المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر قبل وصولها إلى الأسواق من الناحية الصحية والبيئية وتعمل على تصنيف منتجاتها وفحص جودتها لتكون منتجات صحية وذات جودة عالية مطابقة للمواصفات المطلوبة، وتستطيع أن تُعنى بتسويقها والترويج لها في الأسواق المحلية ومن ثم الخارجية مما يساعد في توسيع رقعة انتشارها عوضاً عن بقائها ضمن البازارات والمهرجانات المحدودة التي تقام لها.
منعكس سلبي
الحسن بين أن الإجراءات الرادعة التي أكدها اسمندر والتي ستطبق على أصحاب المشاريع في حال المخالفة بتعرض أصحابها للغرامات المالية أو السجن قد رداعة على المستوى الفردي إلا أنها لها انعكاسات اقتصادية كإغلاق المشاريع وإلحاق الضرر بالأسر المرتبطة بها، وتخوف الطامحين أو عزوفهم عن الدخول بمضمار المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، وبالتالي العودة إلى نقطة الصفر، وبقاء القطاع في حالة تذتذب وفي اقتصاد الظل، لذا من الضروري تهيئة البيئة المناسبة لتطبيق المعايير والقوانين اللازمة لمساعدة أصحاب المشاريع بتأسيس مشاريع حقيقية محمية هي وأصحابها بمظلة القانون من جهة، وتخطي إشكالية التمويل المصرفي الذي لازال يوازي 4% من نسب التمويل العامة في المصارف من جهة أخرى لوجود تخوف وإشكاليات بضخ المزيد من التمويل لصالح تلك المشاريع.