دراساتصحيفة البعث

“كوب 27” وقضايا التمويل والأضرار

إعداد: ريا خوري

شهد العالم في الآونة الأخيرة عقد عدة مؤتمرات دولية مهمّة، كان منها مؤتمر “كوب 27” للمناخ الذي عُقد في مدينة شرم الشيخ المصرية من 6 تشرين الثاني إلى 18 تشرين الثاني الجاري في ظل ظروف عالمية ساخنة جداً وغير مواتية، لا من الناحية السياسية ولا من الناحية الاقتصادية.

من الناحية السياسية، علّقت الصين تعاونها مع الولايات المتحدة الأمريكية فيما خصّ المفاوضات الثنائية التي تسهّل عملية التوافق بين كافة الأطراف المتفاوضة حول المناخ. أما من الناحية الاقتصادية، فقد أهدرت دول الاتحاد الأوربي أموالاً ضخمة جداً لتمويل الحرب الساخنة في أوكرانيا، وهو ما يعني عملياً تأجيل موضوع التمويل من خزائن القضايا التي يمكن أن يحقق فيها المؤتمر بعض المشكلات والاختراقات، واضطرار دول الاتحاد الأوروبي ودول القارة الأوروبية بشكل عام، في ضوء أزمة الطاقة الحادّة التي تواجهها نتيجة للعقوبات القاسية التي تمّ فرضها على النفط والغاز الروسيين، إلى إعادة فتح مناجم الفحم الحجري من جديد، واستخدامه كبديل للنفط والغاز. إضافة إلى العديد من المعوقات التقليدية المستمرة والحاضرة على الدوام على طاولات المفاوضات الدولية، ومنها الخلافات البينية حول خفض الانبعاثات الحرارية، والتكيّف مع الظواهر المناخية السلبية المستجدة والتي لها تأثير خطير على البشر، وتلكؤ العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة في الوفاء بتعهداتها والتزاماتها المالية.

ومن أجل تفويت الفرصة أمام العديد من المحاولات المعتادة لهدر وقت المؤتمر وتبديده وتشتيت جهود المفاوضين في قضايا فرعية أو قضايا جانبية، فقد ركزت مجموعة السبعة والسبعين+ الصين -مجموعة الدول النامية- جهودها التفاوضية المبذولة على القضيتين الرئيسيتين المهمتين، وهما التمويل المالي والتقني، والخسائر المادية الهائلة وحجم الأضرار الكبير على صعيد البشرية، على الرغم من أن دول الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة لا تفضّل مقاربة هذين الموضوعين الأساسيين الحساسين.

فيما يتعلق بالأضرار والخسائر الهائلة التي تكبدتها العديد من الدول، فقد وقفت سداً منيعاً وحاجزاً في الاجتماعات التحضيرية التي عُقدت في مدينة بون في ألمانيا خلال الفترة من 31 أيار إلى 16 حزيران 2022 أمام محاولات العديد من الدول النامية لتحديد الالتزامات المالية التي تتضمن تمويل مشاريع وبرامج ومبادرات خفض الانبعاثات الحرارية التي تمّ إصلاحها بــ التخفيف، والتكيّف في الدول النامية المهدّدة بما تُسمّى اصطلاحاً مناخياً، الخسائر الهائلة والأضرار الجسيمة الناتجة عن تسارع وتيرة الكوارث الطبيعية المتطرفة التي كان لها تأثير سلبي على العديد من دول العالم كإحدى ظواهر تغيّر المناخ وتبدله بشكل كبير.

لقد رفضت دول الاتحاد الأوروبي إنشاء مرفق تمويل مخصّص لقضية الأضرار والخسائر الهائلة، ورفضت إدراجه على جدول أعمال مؤتمر الأطراف “كوب 27″ في شرم الشيخ الذي كان قد أُقرّ في مؤتمر الأطراف التاسع عشر في العاصمة البولندية وارسو في شهر تشرين الأول عام 2013 بإنشاء ما تمّ التوافق على تسميته بـــ”آلية وارسو الدولية للخسائر والأضرار” الناتجة عن الظواهر الطبيعية الصعبة في البلدان النامية المعرّضة بشكل خاص للآثار السلبية  لتغيّر المناخ.

ومنذ ذلك الوقت نجحت الدول النامية في تثبيت ما تمّ التوافق عليه في مؤتمر وارسو على جدول أعمال كلّ جولات التفاوض التي تلت ذلك المؤتمر، لكنها حتى الآن لم تتمكّن من تحقيق أيّ من أهداف إنشاء ذلك الصندوق من أجل تعويض الدول النامية المتضررة من السيول الجارفة، والأعاصير، وجميع الكوارث الطبيعية الأخرى التي تتعرّض لها جراء التغيّر المناخي، ومنها بصفة خاصة الدول النامية الجزرية الصغيرة، بسبب مواقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية الرافضة لذلك.

فيما يتعلق بالتمويل المالي والتقني، حتى اليوم لم تفِ الدول الغربية بمجملها بوعدها الخاص بتأمين مبلغ مائة مليار دولار سنوياً كانت قد تعهدت بدفعها في مؤتمر الأطراف الخامس عشر الذي انعقد في العاصمة الدانماركية كوبنهاغن عام 2009 بدفعها بحلول 2020، وهذا أكثر المواضيع أهمية الذي تكره دول القارة الأوروبية، والولايات المتحدة مناقشته في المفاوضات وعلى أجندة مؤتمراتها. لذلك فقد وضعته الدولة المنظمة لمؤتمر غلاسكو في آخر قائمة جدول أعماله وما تتضمنه أجندته الفرعية، لذا لم يحظَ سوى بيوم واحد كان في آخر يوم في المؤتمر لمناقشته واستنباط النتائج  والحلول.