“الله يُكثِّر من أمثالكم”.. وأعمالكم
قسيم دحدل
لا يمكنُ أن نقفَ مكتوفي الأيدي وقت يحتاجنا الوطن، لنعيد تضميد جراح إنسانه الذي ما بخلَ بالغالي والنفيس، مالاً وجسداً وروحاً.
إنهم أهلنا، وواجبنا أن نكون معهم فيما يمرّون به من معاناة، ويواجهون من تحديات اقتصادية ومالية واجتماعية، فمن لا خير فيه لأهله لا خير فيه لأحد..
هذا وغيره من الأقوال التي يشكّل كلّ منها موقفاً عملياً مشرفاً، هو لسان عدد من المغتربين السوريين، الذين نصعت أياديهم بالبياض، بعد أن جعلوا من العطاء عملاً كريماً خيِّراً، رداً لجميل الوطن والأهل.
ففي مرحلة استعصت فيها عملية التعويض والترميم والبناء على الكثير منا، كانت الثروة الحقيقية في الأبناء الذين غادروا الوطن حاضرة، لا لأجل أنفسهم فقط، بل ولأجل وطنهم أيضاً، فالنجاح في الخارج، يعني نجاحاً للداخل، وهذا ما يترجمه حرفياً وعملياً العديد من المغتربين السوريين في المهجر.
أمثلة عديدة عن المغتربين، تشهد بين الحين والآخر على مساهماتهم المالية والتمويلية الدورية في إعادة إعمار ما دمّره الإرهاب في وطنهم، فمن خلال الدائرة الأصغر، بدءاً من القرية فالناحية والمنطقة والمحافظة، تتمّ المساعدة في إعادة الإعمار لتلك الأماكن، انطلاقاً من مبدأ تطبيق العمل التكافلي والمسؤولية الاجتماعية وفي أبهى وأشرف صورهما. فمن التبرّع مالياً لدعم الأشخاص والعائلات المحتاجة، والتبرع بتكاليف العمليات الجراحية والإنفاق الشهري على الأدوية المزمنة، إلى التبرع بتمويل أجهزة الطاقة المتجدّدة لإنارة القرى وضخ مياه الآبار، وكذلك التبرع بتكاليف تركيب أجهزة الأنترنت، وترميم المرافق والمنازل ورفدها بما تحتاجه من مستلزمات تشغيلية وحياتية – نهبها الإرهابيون – لتعود صالحة للعمل والسكن، وأيضاً التبرع بتمويل تكاليف الزراعة واحتياجات الري… إلخ.
كلّ ما سبق ذكره وغيره – على سبيل المثال – هي مساهمات لمتبرع واحد، فكيف لو أحصينا عدد المغتربين المتبرعين الذين تشهد قيم تبرعاتهم المالية على ما تمّ ويتمّ إنجازه في العديد من القرى وفي غير منطقة في سورية.
عمل اغترابي نرى أن يتمّ تعميمه ليشمل كلّ مغترب قادر على التبرع بما يدعم وطنه وأهله، لمدّهم بمقومات الصمود والاستمرار والتشبّث بالأرض وإعادة إحيائها واستثمار ما فوقها وتحتها. وهنا نعتقد أن هذا الدور في التفعيل يجب أن يكون على أجندة واضعي “دبلوماسيتنا الاقتصادية”، حيث أقرّ مجلس الوزراء أمس الأول مذكرة وزارة الخارجية والمغتربين حول متابعة ملف الدبلوماسية الاقتصادية السورية، ودور السفارات والقنصليات في فتح أسواق تصديرية جديدة للمنتجات السورية وجذب الاستثمارات، إذ تمّ تأكيد ضرورة تكثيف جهود البعثات الدبلوماسية لتشجيع رؤوس الأموال السورية المغتربة للاستثمار في الوطن في ظلّ الحوافز والتسهيلات التي يقدّمها قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021.
تشجيعٌ حبذا لو يبدأ بإنشاء صندوق استثماري اغترابي، يحفّز القدرات المالية الاغترابية للمشاركة بمبالغ – وبالقطع الصعب – ولو كانت متواضعة نسبياً على المستوى الفردي بشكل أوليّ، لكنها على المستوى الكليّ والجمعيّ لاحقاً، ستشكل كماً وحجماً مالياً ونقداً استثمارياً مهمّاً جداً في دعم الشعب السوري وإعادة نهضة اقتصاده وإنتاجه الزراعي والصناعي والتحويلي.
هي مقترحات نتمنّى الأخذ بها ووضعها على طاولة الحكومة، ويمكن أن تكون على مستوى المناطق، أي أن يتبرع – على سبيل المثال – المغترب الحمصي أو الطرطوسي أو الحوراني.. إلخ، شرط أن تكون الحصة الأكبر من تبرعاته لمنطقته، و/ أو يتمّ بداية إنشاء صندوق استثماري اغترابي خاص بكلّ محافظة.
أفكارٌ نداولها بصوت مرتفع لعلّ وعسى يصلُ الصوت مسامع أهل الإدارة والقرار، على أن يكون شعار دبلوماسيينا: “الله يُكثِّر من أمثالكم..”.
Qassim1965@gmail.com