آسيا في دائرة الضوء مجدداً
عناية ناصر
وضعت الاجتماعات الدولية التي اختتمت مؤخراً، قمة الآسيان، وقمة قادة مجموعة العشرين، واجتماع القادة الاقتصاديين للابيك، آسيا في دائرة الضوء العالمية مرة أخرى، حيث أصبحت مركزاً جيوسياسياً واقتصادياً عالمياً. لكن على الرغم من ذلك، يواجه السلام في جميع أنحاء المنطقة عدداً كبيراً من التحديات، الأمر الذي يستلزم من الصين أن تكون أكثر يقظة، خاصةً أن الولايات المتحدة تحاول استقطاب المجتمع الدولي من خلال ربط الصين وروسيا معاً في الصراع في أوكرانيا.
ولهذا الاستقطاب تأثير سلبي للغاية على آسيا، حيث تتمتع معظم دول المنطقة بعلاقات عميقة مع كل من الصين والولايات المتحدة، ففي حال تمكنت الدولتان من التعايش بشكل جيد، سيتولد لدى دول المنطقة شعور بالأمن، وفي نفس الوقت تضمن تنميتها، أما إذا ساءت العلاقات الصينية الأمريكية إلى الدرجة التي عليها العلاقات بين روسيا وأوروبا، أو العلاقات الأمريكية الروسية اليوم، فستصبح جميع الدول الآسيوية ضحايا هذا الوضع، وفي حال حدوث ذلك، فستواجه آسيا وضعاً مشابهاً لما تواجهه أوكرانيا الآن، أي بلا أمن وتنمية. لذلك لا ينبغي للصين أن تسمح للأزمة الأوكرانية أن تكرر نفسها في آسيا، حيث يواجه الأمن الآسيوي اختباراً قاسياً.
في السنوات القليلة الماضية، كانت الولايات المتحدة منشغلة في تكوين مجموعات ليس فقط في آسيا، ولكن أيضاً في أجزاء أخرى من العالم من خلال إجبار الدول الأخرى على الانحياز، والاصطفاف إلى جانب واحد. في المقابل، لم تفعل الصين ذلك، الأمر الذي ساعد على منع المزيد من الانقسام في آسيا. من هنا إن التعددية الحصرية التي تدعو إليها الولايات المتحدة، والمعروفة باسم “الكتلة القائمة على القيمة” هي في تناقض صارخ مع التعددية التي تروج لها الصين والتي تؤكد على التسامح، فقد أسفرت التعددية التي روجت لها الصين عن نتائج إيجابية للغاية، ولدى الدول الآسيوية حكمها الخاص على ذلك.
وبصفتها أكبر دولة في آسيا، تتحمل الصين المزيد من العبء، والمسؤولية عن السلام في آسيا، وينبغي على الصين مساعدة الدول الآسيوية على التحكم في مصيرها، وذلك من خلال توفير المزيد من السلع العامة باعتبارها أكبر اقتصاد في المنطقة، ففي السنوات الأربعين الماضية، وعلى الرغم من المنافسة بين الصين والقوى الآسيوية الكبرى الأخرى مثل اليابان، ظلت هذه المنافسة لا تشكل أي خطر، حيث تعتبر آلية التعاون في” آسيان بلس 3″ مثال نموذجي.
من جهة أخرى، يجب أن تبقي الصين أبوابها مفتوحة، وأن تواصل ممارسة تعددية الأطراف التي تؤكد على التسامح. وفي هذا الإطار، تبدو معظم الدول الآسيوية منفتحة على بعضها البعض، وحتى أكثر من البلدان في المناطق الأخرى. وبناءً على ذلك، يجب المحافظة على هذه الدرجة من الانفتاح في وجه التكتلات التي أنشأتها الولايات المتحدة على أساس القيم المزعومة، وهذه الكتل تتعارض مع العولمة، لكن من خلال الأقلمة فقط المبنية على انفتاح الدول على بعضها البعض يمكن دفع العولمة إلى الأمام. و كقوة عظمى، فإن انفتاح الصين نفسها هو أفضل منفعة عامة إقليمية و حتى دولية.
وفيما يتعلق بالمناطق التي يوجد فيها خطر محتمل بحدوث صدام عسكري، يجب التعامل بشكل صحيح مع الولايات المتحدة، إذ أن الوجود الأمريكي في آسيا لم يتوقف أبداً، خاصةً أن لدى الولايات المتحدة تصور خاطئ تجاه الصين باعتقادها أن هدف الصين لحل نزاعات بحر الصين الجنوبي، ومسألة تايوان ينطوي على إخراج الولايات المتحدة من غرب المحيط الهادئ، والمطالبة بالهيمنة في المنطقة، وهذا ليس هو واقع الحال، فتايوان تقع في قلب المصالح الجوهرية للصين، كما إن مسألة تايوان هي مسألة إعادة توحيد وطني، وليست صراعاً من أجل الهيمنة مع الولايات المتحدة، كما يراها بعض الأمريكيين. وكذلك لا علاقة لها بالديمقراطية التي يروج لها الغرب، بل إنها مسألة تتعلق بالسيادة وليس الإدارة، و في مسألة تايوان، ليس هدف الصين هزيمة الولايات المتحدة، ولكن تحقيق إعادة التوحيد الوطني.
في الماضي، تم كسب مكانة القوة العظمى من خلال الحروب، مثل الإمبراطورية البريطانية والولايات المتحدة. لكن الآن، ما إذا كان يمكن تعريف بلد ما على أنه قوة عظمى يعتمد على ما إذا كان لديه القدرة والإرادة لتوفير ما يكفي من السلع العامة الدولية للمنطقة والعالم، وبناءً على ذلك فإن تحقيق نهوض مستدام من خلال توفير السلع العامة الدولية هو ما يميز الصين والقوى الكبرى الأخرى في الماضي.