على مذبح الربح الخاص.. السيكوباتية الرأسمالية وفيروس كورونا
سمر سامي السمارة
تجاوز عدد وفيات كوفيد -19 في الولايات المتحدة اليوم 1.1 مليون شخص، إذ تشير الإصابات الجماعية الجديدة، وانتشار المتغيرات الفيروسية المقاومة للمناعة إلى استمرار ارتفاع عدد الوفيات مع حلول فصل الشتاء الثالث للوباء.
في الوقت نفسه، تواجه أوروبا نظرة قاتمة مماثلة بسبب تزايد الإصابات والوفيات بكوفيد -19 المستجد المعروف باسم “سارس-كوف- 2″ الذي خضع لطفرات عديدة منذ الإعلان عن الوباء العالمي في أوائل عام 2020.
يحدث ذلك، بينما تتظاهر الحكومات الغربية بأن الوباء قد انتهى، وتفرض سياسة على شعوبها ” للتعايش مع كوفيد”. ووفقاً لجامعة “جونز هوبكينز” الرسمية، يقدر إجمالي عدد الوفيات التي تسبب فيها الوباء في جميع أنحاء العالم بنحو 6.6 مليون، وعلى الرغم من أن عدد سكان الولايات المتحدة لا يتجاوز 4.2 في المائة من سكان الكرة الأرضية، يمثل عدد الوفيات في الولايات المتحدة البالغ 1.1 مليون أكثر من 16 في المائة من إجمالي عدد الوفيات في العالم.
وبحسب قاعدة البيانات نفسها، يبلغ عدد وفيات الفيروس في الصين 5200 تقريباً، على الرغم من أن عدد سكان الصين يقارب أربعة أضعاف عدد سكان الولايات المتحدة، إلا أن أرقام الوفيات فيها أقل من 0.5٪ من سكان الولايات المتحدة.
يبلغ عدد سكان الصين 1.4 مليار نسمة ويشكلون حوالي 18.5 في المائة من سكان العالم، ما يعني أن عدد الوفيات بسبب كوفيد -19 يبلغ حوالي0،00006 في المائة من عدد الوفيات العالمية.
يُرجع المراقبون السبب لمثل هذا التناقض الصارخ والصادم في أعداد الوفيات بين الولايات المتحدة والصين، إلى الفرق الكبير بين الأنظمة الرأسمالية والاشتراكية. فقد أعطت الولايات المتحدة، كما هو الحال مع حلفائها الأوروبيين الرأسماليين، الأولوية لحتمية الربح الذي يجنيه القطاع الخاص على الصحة العامة، كما سارعت الحكومات الغربية إلى السعي للعودة لتدابير العمل “الطبيعي”، معتمدة على إعطاء اللقاح كحل وحيد، والذي ثبت أنه غير مجدٍ مع عودة الوباء للسكان.
واقع الحال يُظهر أن إنكار الحقائق المتعلقة بكوفيد فاقم الوضع في الدول الغربية، خاصة وقد اعتبر العديد من الأمريكيين أنه خدعة وأن ارتداء أقنعة الوجه والتطعيم انتهاك لـ “حقوقهم في الحرية الفردية”.
من المؤكد، أن تضافر الاندفاع الشديد لاستعادة الأرباح الرأسمالية، مصحوباً بالسياسات المثيرة للخلاف في الغرب حال دون تنفيذ استراتيجية متماسكة وفعالة لإدارة الصحة العامة للقضاء على كوفيد -19.
وعلى النقيض من ذلك، طبقت الصين بشكل متسق سياسة “زيرو كوفيد”، حيث خصصت الحكومة الاشتراكية الصينية الموارد المالية والبشرية، لوضع إستراتيجية شاملة للقضاء على المرض. وقد اشتملت هذه الإستراتيجية على إغلاق المدن التي يحدث فيها تفشي للمرض، فضلاً عن التتبع الجماعي والتعقب باستخدام التقنيات العالية والاختبارات العامة المتاحة على نطاق واسع في التعامل مع انتشار المرض. وقد أظهر الصينيون أيضاً تفكيراً عقلانياً وأخلاقياً يستحق الثناء حول حماية الآخرين والعمل الجماعي من أجل الصالح العام لهزيمة مرض فتاك.
من المؤكد أن ممارسات الحجر الصحي في الصين يمكن أن تكون غير ملائمة للحياة اليومية العادية والسفر، لكنها في المحصلة تؤدي لاحتواء المرض والتخفيف منه، حيث تُظهر حصيلة الوفيات الطفيفة من الوباء مقارنة بالولايات المتحدة وأوروبا نجاح حماية الصين للصحة العامة.
قال الرئيس الصيني شي جين بينغ: “إن حماية الصحة العامة هو حجر الزاوية في سياسة بلاده الخاصة بعدم الإصابة بفيروس كوفيد، مضيفاً أن الاعتبارات التجارية قصيرة الأجل ثانوية بالنسبة لهم”.
على الجدول الزمني الاجتماعي والاقتصادي طويل الأجل، من الواضح أن السياسة الصينية أكثر قابلية للحياة وكذلك أكثر أخلاقية، حيث يظهر استمرار الوفيات والمعاناة في الدول الغربية بسبب الوباء، أن أولوية جني الأرباح الرأسمالية هي هزيمة الذات على المستوى الاجتماعي.
هناك العديد من الأسباب العلمية وراء فشل الرأسمالية بسبب الوباء، إذ يسمح موقف الحكومات الغربية المزعوم بـ “التعايش مع كوفيد” للفيروس بالاستمرار، وبالتالي التحول إلى أشكال أكثر فتكاً. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن المتحورات الفرعية الأحدث مثل “أوميكرون” تُظهر مستوى عالٍ من المقاومة المناعية، لكن بعد إنفاق مليارات الدولارات لصالح شركات الأدوية الخاصة لتطوير لقاحات كوفيد، قد تصبح هذه اللقاحات زائدة عن الحاجة.
كما أظهر بحث جديد نُشر في وقت سابق من هذا الشهر، أن الإصابة مرة أخرى بـ كوفيد -19 تؤدي إلى أمراض طويلة الأمد، ووفيات بسبب أمراض القلب والرئتين والأعضاء الأخرى، كما تُظهر إعادة العدوى تزايداً في جميع أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا مع استمرار الوباء.
وبحسب تقرير نشرته مجلة “نيتشر ميدسن” فإن : “المرضى الذين عاودتهم العدوى هم عرضة بشكل مضاعف لخطر الوفاة، وخطر دخولهم المستشفى أكثر بثلاثة أضعاف مقارنة مع أولئك الذين أصيبوا بفيروس كوفيد مرة واحدة فقط. كما أنهم معرضون لمخاطر عالية فيما يتعلق بمشاكل الرئتين والقلب والدم والكلى والسكري والصحة العقلية والعظام والعضلات والاضطرابات العصبية”.
نجحت الصين بشكل مذهل في السيطرة على الوباء، وحماية مواطنيها على وجه التحديد بسبب إلتزام حكومتها بالسياسات الاشتراكية. ومع ذلك تهمل وسائل الإعلام الغربية ذكر النتائج التي وصلت إليها الصين، بسبب “سياسة صفر كوفيد” لأنها لا تحاكي الرأسمالية الغربية.
إن تعداد الوفيات المرتفع في الولايات المتحدة وأوروبا لم يكن بسبب فيروس، بل أنه نتيجة مرض أساسي يتمثل في السيكوباتية الرأسمالية، فالقتل الوحشي المتعمد للناس الناتج عن التقصير في أداء واجب إتباع سياسة صحية إنسانية وأخلاقية هو النتيجة الإجرامية الخسيسة.
يضحي السياسيون الغربيون بشعوبهم طوعاً على مذبح الربح الخاص، من خلال نظام مناهض للإنسان، وغير عقلاني من أي وجهة نظر أخلاقية أساسية. لذا فإنه فشل كمبدأ تنظيم اجتماعي أكثر من أي وقت مضى في هذه اللحظة من التاريخ. كما أن هذا النظام السياسي المريض هو أيضاً السبب الذي يجعل الولايات المتحدة و “شركائها” الأوروبيين يفضلون تمويل حرب دموية في أوكرانيا ضد روسيا، أو ضد الصين في تايوان، بدلاً من إطعام وإسكان ورعاية شعوبهم.