انقسام محكوم بالأجندات
علي اليوسف
مع كل يوم تتبدّى ملامح الانقسام الذي يعيشه الكيان الصهيوني، ويمكن الدلالة على ذلك من تصريحات القادة الصهاينة أنفسهم، وفي مقدّمتهم رئيس كيان الاحتلال، إسحاق هرتسوغ، الذي قال عقب عودة نتنياهو لرئاسة الحكومة إنّ “الوضع السياسي المعقّد يضع أمامنا تحدّياً تاريخياً إلى حدٍّ ما. إنّ نتائج انتخابات الكنيست عبّرت أننا منقسمون، والمسؤولية من الآن فصاعداً ملقاة على عاتق كل اللاعبين السياسيين، وعلى رأسهم من يده هي العليا، ومن قوّته السياسية هي الأكبر”.
هناك دلالة أخرى على الانقسام الذي يعيشه الكيان تنصبّ في جوهرها على مسائل تتعلق بالأجندات السياسية لكل حزب، وخاصةً “يهودوت هتوراه” لليهود الأشكناز الغربيين، وحزب “شاس” لليهود الشرقيين السفرديم، وتحالف اليمين المتطرّف “الصهيونية الدينية”، وهي جميعها أحزاب من اليمين المتطرّف تختلف أيديولوجياتها المتعصبة بعضها عن بعض، والكثير منها يبحث عن مستقبله بعيداً عن نتنياهو.
ولتأكيد ذلك، نشر استطلاع للرأي لما يُسمّى “مؤشر التماسك الاجتماعي الإسرائيلي”، يُظهر أن أغلبية المشاركين في الاستطلاع (76%) يعتقدون أنّ “المجتمع في إسرائيل” منقسم، وأنّ أكثر العوامل إسهاماً في الانقسام، حسب المستطلعين، هي القيادة السياسية 81%، يليها الإعلام الجديد 73%، ثم الإعلام التقليدي 68%.
ولعل العامل الأهم في انقسام الكيان المحتل هو دور المقاومة الفلسطينية، حيث يعجز الكيان الصهيوني حتى الآن عن التعامل مع حركات المقاومة، كما يتضح من جولة العمليات الفدائية الأخيرة في عقر الكيان الصهيوني، وقبلها المعركة مع المقاومة في غزة التي استمرّت 11 يوماً خلال آيار 2022.
لذلك من المستبعد جداً أن ينجح نتنياهو في إيجاد حل للانقسام الصهيوني، وأن يجد حلاً للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، لأن المقاربة التي سار عليها سابقاً فيما يخص اتفاقات “أبراهام”، والتي تقضي – حسب مفهومه – بأن التطبيع هو طريق حل القضية الفلسطينية، لن تنجح بعد الآن، لأنه بات مكشوفاً، على الأقل فلسطينياً، بأنه مراوغ يريد التطبيع، و لا يريد حلاً للقضية على أساس حل الدولتين، وهذا ما يرجّح ارتفاع وتيرة أعمال المقاومة، وما قد يؤثر في الوضع الداخلي للكيان، بمعنى الانقسام أكثر فأكثر.
صحيح أن نتنياهو سعى إلى استيعاب الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي من خلال معاهدات سلام، وتطبيع على مستوى المنطقة، لكن لن يكون هناك مفرّ من أخذ المصلحة الموضوعية للقضية الفلسطينية بعين الاعتبار، وهو أمر لم يُؤخذ في الاعتبار خلال المرحلة الماضية، وخاصةً أنه جرت عدة جولات من المحادثات التي توسّطت فيها الولايات المتحدة من أجل السلام، منذ عام 2009، عندما بدأ نتنياهو فترة ولايته الثانية رئيساً للوزراء، وبقيت متوقفة إلى أن انهارت آخر جولة بقيادة وزير الخارجية الأميركي الأسبق، جون كيري، في نيسان 2014.
وحتى خلال حكم الائتلاف الذي شكّله رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، في عام 2021، استؤنفت الاتصالات، لكن بينيت لم يأخذ أيّ خطوة تسجّل له متذرّعاً بملاحقة السلطة الفلسطينية للكيان الاسرائيلي في المحكمة الجنائية الدولية. وبعد وصول نتنياهو إلى السلطة مجدّداً، لن يتم تقديم ما هو جديد ما دامت حكومته من أكثر الحكومات يمينية في تاريخ الكيان.
لذلك، لا يُعتقد أن المنطقة أمام حالات هدوء حالياً، فالولايات المتحدة لا تسير بهذا الاتجاه اليوم، ولا يملك نتنياهو حليفاً في البيت الأبيض، وكل الأطراف تعوّل على عامل الوقت، لكن هذا الوضع في الواقع لن يؤدّي إلا إلى تأزيم الموقف، لأنه على الأرض سيكون “محصوراً” بما سيمليه عليه اليمين المتطرّف، وهو العصب الرئيسي للائتلاف، الذي تكمن أولويته في توسيع الاستيطان وتهويد القدس، وبالتالي ارتفاع دور المقاومة ومنسوب العمليات الفدائية، وربما تتجه المنطقة إلى حرب على غرار أيار 2022، الأمر الذي يعزز الانقسام الحاصل أصلاً في الشارع الإسرائيلي، وهذا ما سيقود إلى السقوط المتكرّر للحكومات.