“حمام روماني” على خشبة مسرح ثقافة حمص.. من جديد!
آصف إبراهيم
ضمن احتفالية أيام وزارة الثقافة السورية، أعاد مسرح قومي حمص أمس الأحد عرض مسرحية “حمام روماني” إعداد وإخراج فهد الرحمون الذي سبق له وقدّم هذا العرض مع فرقة إشبيلية، بمناسبة إحياء يوم المسرح العالمي آذار الفائت على مسرح قصر الثقافة بحمص.
العرضُ مقتبس بحرفيته عن نصّ الكاتب البلغاري ستانسلاف سترتييف الذي تتسم مؤلفاته بالمباشرة والبساطة والتهكم اللاذع حيال مظاهر سلبية في الواقع. ونصّ “حمام روماني” يقترب فيه سترتييف مسرحياً من المدرسة التشيخوفية التي تلتقط مفارقات واقعية تشكّل منها عوالم درامية بسيطة في بنيتها التشكيلية عميقة في حواملها الفكرية والتحريضية الممتعة.
وفي تنقله مسرحياً بين نصوص تشيخوف وسترتييف، يحاولُ الرحمون تشكيل ملامح هوية مسرحية يتفرّد بها، ديدنها الأساس سعيه الدؤوب لاستحضار الكوميديا الهادفة المشحونة بالتهكّم والإدهاش في تعرية الواقع الذي لم يبقَ عليه ستراً حتى ورقة التوت، لتضيف إلى مسيرته رصيداً جماهيرياً قيماً في كلّ عمل يقدّمه ويبذل مجهوداً كبيراً في توظيف كافة مفردات العمل المسرحي وعناصره المساعدة في سبيل الوصول إلى بناء فضاء درامي مكتمل ومستوفٍ للشروط الفنية والإبداعية.
لكن الرحمون، في تفرده بالإعداد للنص، نراه دائم التعثّر في الالتزام الحرفي به، دون مراعاة للتغيرات الزمكانية على اعتبار أن ليس كلّ ما يُكتب على الورق هو ضروري للتجسيد على الخشبة، ولاسيما أن أغلب النصوص كُتبت لزمان غير زماننا وجمهور يختلف فكرياً وأنماط سلوك كلياً عن جمهورنا الحالي، لذلك حريّ بمعدّ ومخرج النص وضع حقيقة التحولات الإنسانية نصب عينيه، لمقاربة الواقع والمزاج العام لدى المتلقي حسب مقولة “ما هو حقيقي غرب البيرينيه، هو غيره شرقها”، ولهذا فقد أدّى التزام المخرج بحرفية النص إلى إطالة مدة العرض وخلق حالة تململ، وكان يستُحسن تكثيفه وتسريع وتيرة الإيقاع فيه من خلال حذف بعض المشاهد التي يمكن الاستغناء عنها دون أن يؤثر غيابها على رسالة النص، ولاسيما مشاهد الإنقاذ الوهمي للغريق ومشاهد البحث عن “جربوع” التي لم تحمل أية قيمة فنية مضافة لا إلى المقولة، ولا إلى الأداء الكوميدي الذي حرص الممثلون على أن يكون هادئاً وواثقاً، راقياً وهادفاً في الوقت ذاته.
فكرة العرض تتناول حكاية إيفان آنتوف الشخصية المحورية الذي يحصل بعد طول انتظار على بطاقة استجمام على شاطئ البحر، وعندما يعود يفاجأ باكتشاف حمام روماني أثري داخل منزله اكتشفه أحد العمال الذي أعطاه إيفان مفتاح بيته ليرمّم له أرضية الصالون أثناء غيابه. وبينما كان العامل يقوم بالحفر ظهر له طرف من الحمام الأثري فانتشر الخبر بسرعة في البلد فحضر الأستاذ الجامعي والخبير بالآثار لـيقف أمام الكاميرات التلفزيونية ويعلن عن الاكتشاف الأثري، ويباشر بمعاملة نقل ملكية المنزل إلى دائرة الآثار.
وبدوره يرسلُ الاتحاد الرياضي سباحين للإشراف على الحمام باعتباره منشأة عامة ليضعنا العرض أمام مفارقات مؤلمة ومضحكة في آن معاً، حيث يصبح المنزل محطّ أنظار المتنفذين والجشعين والوصوليين لوضع اليد عليه واستثمار وضعه المستجد لمصالحهم. وبالإضافة إلى شخصية البروفيسور الذي باع حبيبته من أجل ربط اسمه بهذا الاكتشاف المهمّ، هناك شخصية ديا ما ندييف، الوسيط العقاري الذي جاء ليشتري المنزل بما فيه لمصلحة زوجة رجل ثريّ، وهناك شخصية تسيكوف تاجر الآثار. وهكذا يحتدم الصراع بين شخصيات عدة لا يردعها شيء عن المتاجرة بثروات البلاد وأملاك الناس لإشباع أطماعهم الفردية، مقابل وجه الخير الذي يمثله إيفان الشاب البسيط الذي يتمسّك بمنزله ويصارع الجميع من أجل البقاء فيه غير مكترث بكل ما قدّم له من مغريات لبيع البيت ومغادرة البلاد.
يوجّه العرض رسائل متعدّدة، مباشرة حيناً ومتوارية خلف مشاهد كوميدية حيناً آخر، يسعى المخرج من خلالها إلى ملامسة واقعنا الراهن ومخاطبة ضمائرنا ليسمعنا ما نرغب أن نسمع، ويقول ما يريد كلّ واحد منا أن يقول.