الزواج بين الولايات المتحدة وأوروبا سينتهي بفضيحة قذرة
تقرير إخباري:
رغم جميع التقارير التي تؤكّد أن المستفيد الأول من العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على روسيا هو الولايات المتحدة الأمريكية، غير أن القادة الأوروبيين وبدافع من تبعيّتهم لواشنطن، لا يستطيعون الخروج عن الولاء للبيت الأبيض لأنه لم يحِن الوقتُ بعدُ لإصدار الأوامر من هناك بذلك، ويبدو أن هذا الخروج سيتم بالفعل، ولكن بعد أن تستحوذ الولايات المتحدة الأمريكية على جميع الشركات الأوروبية الرابحة دعماً لاقتصادها، وعندها فقط يمكن أن تحصل أوروبا على استقلالها، ولكنه سيكون بالدرجة الأولى استقلالاً نهائياً عن التطوّر والتقدّم والقدرة الصناعية، لتتحوّل هذا القارة إلى مستهلك فقط للمنتجات التي تنتجها شركاتها ومصانعها المنتقلة إلى الولايات المتحدة لأن المناخ الاستثماري في أوروبا بات سيّئاً للغاية على خلفية استغناء أوروبا عن المحرّك الأساسي للصناعة فيها وهو موارد الطاقة الروسية.
وفي هذا السياق، أكد نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري مدفيديف أن الولايات المتحدة تهيّئ الظروف بشكل متزايد للاندماج السريع للشركات الأوروبية الرائدة في اقتصادها، بينما تتجاهل بشكل متعمّد مصالح أوروبا.
ونقلت وكالة سبوتنيك عن مدفيديف قوله اليوم: “تزيد الولايات المتحدة نشاطها بخلق الظروف على أراضيها للاندماج السريع للشركات الأوروبية الرائدة في اقتصادها، ويشجّعها نظام الإعانات والحوافز الضريبية على أن تصبح مستثمرة في العالم الجديد، متناسية مصالح أوروبا المسنّة والعقوبات التي ربما تسبّب لها الألم”.
وأضاف مدفيديف: إن “الزواج بين الولايات المتحدة وأوروبا مهدّد بالانتهاء بفضيحة قذرة وتقسيم كئيب للممتلكات المكتسبة، والسبب في ذلك هو الخيانة الاقتصادية من واشنطن”، لافتاً إلى أن أمريكا تشجّع “بقوّة زبائنها على شراء ما يُصنع في الولايات المتحدة، بينما ترى الشركات الأوروبية لنفسها فرصاً أقل للعمل بشكل طبيعي في بلدانها بسبب العقوبات المفروضة على روسيا”.
واعتبر ميدفيديف أنه من غير المرجّح أن يكون لدى الدول الأوروبية ما يكفي من التصميم للانفصال بشكل حاسم عن شركائهم الأمريكيين غير المخلصين، وغير النزيهين وبدء حياة حرّة وجديدة بفخر، وبنائها بشكل مستقل.
وكانت صحيفة بوليتيكو الأمريكية كشفت أن المسؤولين الأوروبيين غاضبون من سياسات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الأزمة الأوكرانية، ففي الوقت الذي تعاني فيه دول الاتحاد الأوروبي من أزمة طاقة وتضخّم وركود اقتصادي تجني الولايات المتحدة ثروة نتيجة استمرار هذا الصراع.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أوروبي بارز قوله: “تتمثل الحقيقة في أنه إذا نظرنا إلى الأمر بهدوء فإن البلد الأكثر استفادة من هذه الحرب هو الولايات المتحدة، لأنها تبيع مزيداً من الغاز وبأسعار أعلى، وكذلك الحال بالنسبة إلى الأسلحة”.
وأوضحت الصحيفة أن رسميين أوروبيين أعربوا في السر والعلن عن قلقهم من الغضب المتزايد في أوروبا حيال الدعم الذي تقدّمه أميركا للغاز والطاقة في أراضيها، بينما ترتفع أسعارهما في القارة العجوز، ما يهدّد بتدمير الصناعة الأوروبية.
ولفتت الصحيفة إلى أن أسعار الطاقة المرتفعة في أوروبا بسبب شراء الغاز من أميركا تؤدّي إلى ارتفاع في أسعار السلع الأوروبية، ما يضعف قدرتها على المنافسة حسب المسؤول الأوروبي نفسه الذي دعا أميركا إلى أن تدرك أن الرأي العام يتغيّر في عدد من دول الاتحاد الأوروبي.
ونقلت بوليتيكو عن كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل دعوته واشنطن إلى الاستجابة للمخاوف الأوروبية، مبيّنة أنه رغم الأصوات الأوروبية المعترضة لم تُظهر واشنطن حتى الآن أيّ علامة على التراجع.
وذكّرت الصحيفة بإعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن ارتفاع أسعار الغاز الأميركي (ليس ودّياً) وكذلك دعوة وزير الاقتصاد الألماني واشنطن إلى إظهار مزيد من التضامن والمساعدة في خفض كلف الطاقة.
وقال تونينو بيكولا المسؤول الرئيسي عن العلاقات عبر الأطلسي في البرلمان الأوروبي: “إن الولايات المتحدة تتبع أجندة محلية للأسف تتسم بالتمييز ضد حلفائها”، بينما انتقد أحد الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي قانون خفض التضخم، متسائلاً “هل ما زالت واشنطن حليفة لنا أم لا”.
وأشارت بوليتيكو إلى الغضب المتصاعد وراء الكواليس حيال الأموال المتدفقة إلى قطاع الدفاع الأميركي الذي يستفيد من الحرب، في الوقت الذي باتت فيه مسألة إعادة امتلاء مخازن بعض الأسلحة المتطوّرة في أوروبا قد تستغرق سنواتٍ، بسبب مشكلاتٍ في سلسلة الإمداد وإنتاج الرقائق الإلكترونية.
وفي المحصّلة، لا يبدو أن أوروبا الرسمية قادرة بالفعل على التخلّص من التبعية لواشنطن، لأنها أصبحت بفعل التنويم المغناطيسي الذي يُمارس عليها من خلف الأطلسي، عاجزةً عن تمييز مصالحها، بل إن هناك قناعةً ربّما لدى بعض القادة الأوروبيين أن الخروج من العباءة الأمريكية يمكن أن يحوّل الاحتلال غير المباشر الذي يخضعون له إلى احتلال مباشر عبر حلف شمال الأطلسي الذي هو في الحقيقة أداة تسيطر واشنطن من خلالها على القارة بمجملها، بل هو أداة من أدواتها للسيطرة على العالم.
طلال ياسر الزعبي