قرن أمريكا
عبد الكريم النّاعم
* مع قرب نهايات القرن الواحد والعشرين، طرح بعض المفكّرين مقولتين لافتتين، وهما: “نهاية التاريخ” و”صراع الحضارات”، ووافق مَن وافق على ما قيل، ونتج عن ذلك مقولة إنّ القرن الواحد والعشرين سيكون قرناً أمريكياً بامتياز، وساعد على مثل هذا الطرح انهيار المنظومة الاشتراكية، ووصول يلتسين إلى السلطة، رغم أنّ السجلاّت للحزب الشيوعي الرّوسي تقول إنّ عدد أفراد الحزب في روسيا هو خمسة عشر مليوناً!!.
* في ذلك الوقت كانت أوروبا، كما كانت عليه، منذ انتهاء الحرب العالميّة الثانية، تابعة لأمريكا في جميع شؤونها، فهي حين تتضارب المصالح، تضحّي بمصالحها لإرضاء واشنطن، وهو ما يجري الآن، فها هي أوروبا بكاملها تلتزم بمقاطعة الغاز الروسي، والنفط الروسي، بالشروط التي طلبتْها موسكو، وإنْ أدّى ذلك إلى زيادة أسعار الكثير من المواد، وليستْ المظاهرات التي انطلقت في أكثر من بلد أوروبي إلاّ تعبيراً عن الاحتجاج الشعبي الذي آلتْ إليه الأمور نتيجة الامتثال لرغبات الأمريكان.
هذا يذكّرنا بموقف الجنرال ديغول الرئيس الفرنسي الأسبق، والذي حاول الخروج من تحت ذلك الغطاء الأمريكي فلم يُفلح.
* ساعد على تكريس مقولة “القرن الأمريكي” أنّ روسيا بدتْ شبه غائبة عن المسرح السياسي حتى تولّى السلطة الرئيس بوتين.
* لنعدْ لبداية القرن الواحد والعشرين، ولْنتلمّس بعض ما فعلتْه أمريكا، وأيّ شرّ مدمّر لم تكن وراءه هي والصهيونيّة العالمية:
في عام 2003، غزتْ أمريكا العراق، ودمّرت البنى التحتيّة، واجتثت كلّ مَن كان له علاقة بالنظام الذي كان، ووضع دستور العراق الجديد برايمر بما يتناسب مع المصالح الأمريكية الصهيونيّة، وها هو العراق حتى الآن يئنّ تحت وطأة ما خلّفه الخبث الصهيوني المتغلغل في الدولة العميقة لأمريكا، وصار التقاسم الطائفي المذهبي مبدأً في التعاطي.
في عام 2011، تمّ إيقاد الحرائق في سوريّة بالتعاون مع بعض دول الجوار، وبدعم مالي خليجيّ غير مسبوق، وبحصار لم يُعرف من قبل، والذي ما زال قائماً حتى الآن، وما تزال آثار تلك العشريّة قائمة نحصد مرارها، ونكتوي بنارها، مع احتلال جديد لمناطق الشمال من قبل أردوغان العثماني، و”قسد” الذراع الأمريكي، وقبل ذلك أشعلت النار في ليبيا وما حولها.
منذ قيام الثورة الإسلاميّة في إيران لم يتوقّف التآمر الأمريكي الصهيوني، ولكنّ المحصّلة كانت الفشل المتوالي.
لقد سعتْ أمريكا لتحجيم الامتدادات الصينية، وما تزال تعمل على ذلك، ولكنّ الخيبة كانت هي العنوان.
خرجتْ أمريكا مهزومة مندحرة في أفغانستان، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان هزيمتها المذِلّة في فيتنام، ويبدو أنّ أمريكا لا يؤذيها ذلك الذلّ، ما دامت قادرة على إيقاد الحرائق، وهذا خبَل لا بدّ له من تحليل.
حين لمست واشنطن أن موسكو تتقدّم في جميع المجالات الاقتصاديّة، والعسكريّة، والمعرفيّة، أقلقها ذلك، فالمسرح العالمي بحسب التوهّم الأمريكي لا يتّسع إلاّ لها ولمطامعها، فهيّأت ما هيّأت لتكون أوكرانيا الموقع الذي تحاصر من خلاله روسيا، الأمر الذي فرض على بوتين أن يدفع الشرّ عن حدود بلاده قبل أن يبدأ، وها هي واشنطن تدفع بعض المال، ولكنّها تُقاتل حقيقة بأوروبا، فالأمريكيّون لن يعانوا من قلّة الغاز والمازوت.
تجدرُ الإشارة إلى فقدان التعامل الأمريكي بما يمكن أنْ يمتّ للوفاء بصلة، فهي مهد “الذرائعيّة” الفلسفيّة، ويعلم المتتبّعون أنّ أمريكا تخلّت، في عدد من المواقف عن أصدقائها، وتركتهم لمصير أسود، دون أن يرفّ لها جفن، فالمصلحة، وإنّ تعارضتْ مع كل القيم الأخلاقيّة، هي السائدة، ثمّة مَن يرى أنّ القرن الواحد والعشرين سيكون قرن التراجع الأمريكي، وإنّ غداً لناطره قريب.
aaalnaem@gmail.com