تجار وسماسرة “الإغاثة”
معن الغادري
لا يقل ملف العمل الإغاثي في حلب أهمية عن ملفي المحروقات والحبوب، إذ يتشارك معهما في صدارة الملفات الأكثر سخونة وجدلاً ولغطاً، بالنظر إلى تعقيداته والأخطاء والتجاوزات المرتكبة وحالات الخلل والفساد التي ارتبطت بهذا الملف منذ بدء الأزمة وحتى الآن. وفيما أذكر قبل نحو أربع سنوات، وربما أكثر من ذلك، تم تشكيل لجنة تقصي على مستوى مجلس المحافظة للوقوف على آلية وطبيعة العمل الإغاثي، والتدقيق في كافة الملفات والجداول الإسمية، وفي آليات عمل الجمعيات الخيرية والأهلية التي تصدت لهذه المهمة طواعية – كما يحلو لهم إطلاق هذه التسمية – وكان لوزارة الشؤون الاجتماعية دور ناشط في هذا الجانب، بهدف تصويب مسار هذا الملف، والتأكد من وصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها، وعدم المتاجرة بالحصص الإغاثية، وبيعها في السوق السوداء، والتأكد من صرف الأموال الواردة لهذه الجمعيات لتنفيذ البرامج والخطط الإنمائية، وبما يسهم في التخفيف من أضرار الحرب الإرهابية، وتدعيم روائز المجتمع والأسرة، والأفراد الأكثر حاجة. ومن الطبيعي أن يكون عمل وبحث وتدقيق اللجنة المشكلة، في حال ما زالت تمارس مهامها، مهنياً واحترافياً، وأن تضع حداً لكل اللغط الحاصل، وتخرج بتوصيات وقرارات جدية لتصحيح وتصويب مسار هذا الملف، إلا أنه وللأسف لم يرشح عنها حتى اللحظة أي تصريح أو إجراء إداري أو قانوني يؤكد أو ينفي ما شاب هذا الملف من مخالفات وتجاوزات وسرقات بمليارات الليرات.
وفي السياق أيضاً، نجد أن الغموض ما زال يلف هوية وماهية بعض الجمعيات التي تعمل في المجال الإغاثي والإنساني وآليات عملها والجهات التي تمولها وتدعمها وارتباطاتها وعلاقتها بالمنظمات الدولية، وكيف كان دورها في إدارة الأزمة الإنسانية، إضافة إلى طبيعة تشكيلات مجالس إداراتها ومنتسبيها وفرقها التطوعية، وليس أخراً ما يتعلق بالصرفيات والتعويضات وباقي مهامها المتعلقة بالجانب الطبي والصحي، وتكاليف إجراء العمليات الجراحية، وغيرها من تكاليف إنجاز المشاريع التنموية. وعلى نفس القدر من الأهمية لا بد من التدقيق في الجداول الإسمية للمستفيدين والتواصل المباشر معهم للتأكد من استفادتهم من الخدمات المقدمة ضمن المدد الزمنية المحددة، وكذلك الأمر موضوع الشروط والمعايير المتبعة لتخزين المواد الغذائية ومدى صلاحيتها وآليات توزيعها لمستحقيها.
ما نود قوله أن هذا الملف يحتاج إلى جهد كبير وإلى جدية في البحث والمساءلة والمحاسبة وإلى إجراءات رادعة بحق كل من يستثمر هذا الملف لمصالحه ومنافعه الشخصية، وهم للأسف كثر وما زالوا ممسكين بمعظم مفاصل العمل الإغاثي تحت مسميات مختلفة. والأمل أن تنجح الحكومة بفك شيفرة ورموز هذا الملف، بعيداً عن أي تنسيق أو ترتيب مع اللجان المشكلة من قبل مجلس المحافظة، لثبوت عدم مصداقيتها، حسب رأي شريحة واسعة من المواطنين. وكخطوة أولى، ينبغي أن تكون على وجه السرعة لمعالجة هذا الملف، لابد من ضبط مستودعات ومنافذ توزيع الحصص الغذائية، ووضع حد للسماسرة وتجار الأزمات والمتعاملين معهم ومنعهم من شراء وبيع الحصص الغذائية في السوق السوداء، وهو الأكثر انتشاراً واتساعاً، في حلب. والأهم التعاطي مع هذه القضية كمخالفة جنائية تستوجب فرض أشد العقوبات بحق تجار وسماسرة الإغاثة، وإحالتهم إلى القضاء المختص.