من التحالف نحو الحرب “الخشنة”
تقرير إخباري:
يوماً بعد يوم يقوم الاتحاد الأوروبي بإخراج رأسه من التراب بعد أن ملّ وضعية النعامة، فالأمور لديه وصلت إلى مراحل كارثية حتى لو طال السكوت عنها أو التظاهر بعدم حصولها فالواقع لا يرحم، وما كان يسمّى “الحرب الاقتصادية الناعمة” يبدو أنه تحوّل إلى حربٍ “خشنة” بين شطري الأطلسي، فواشنطن تطلّ بلا خجل بخطط جديدة من شأنها سحق الجميع وعلى رأسهم حليفتها أوروبا مقابل امتصاص خيرات العالم، وإثبات نفسها سلطة سياسية واقتصادية مهيمنة دون منازع أو حتى مناقش.
والجديد أنّ أوروبا اليوم تقف أمام كارثة جديدة تتمثل في منح أمريكا إعفاءاتٍ ضريبية غير مسبوقة للشركات على أراضيها في سياق خطتها التي ادّعت أنها لمكافحة التضخم، لكن باطنها يؤكّد أنها خطة لتدمير الاقتصاد الأوروبي عبر خلق ثقب أسود يجتذب ويمتصّ شركاته نحو أراضيها، مع تنكّر واضح من الأخيرة لعلاقات التحالف والتاريخ والشراكة الكبرى التي طالما جمعتهما على مدار عقود، مكتفيةً بالتسويق لنفسها واللعب على أوتار فزاعاتها التي تختلقها عبر خلق الأخطار الوهمية للسيطرة على الدول، وآخرها الروسوفوبيا.
من جهتهما، ألمانيا وفرنسا تحاولان خوض حرب كلامية عبر تصريحاتٍ شديدة اللهجة لزعمائهما ضدّ السياسات الأمريكية الأخيرة التي تُظهر مدى الاستهتار بالجانب الأوروبي عبر مواقف لا يمكن السكوت عنها، كمسألة بيع الغواصات لأستراليا، أو الانسحاب المفاجئ من أفغانستان، ناهيك عن زجّ أوروبا في معركة وصدام مع روسيا بغية استنزاف ترسانتها وأموالها وحرمانها من حوامل الطاقة والدفء.
وتتوقّع وكالة بلومبيرغ حرباً اقتصادية بين أمريكا وأوروبا في ظل تراكمات الرئيس الأمريكي جو بايدن ومن سبقه من إدارات.
تدرك أوروبا أنّ العالم أصبح متعدّد الأقطاب، وأن الصين والهند وعدداً من القوى الآسيوية الناشئة بدأت تنتج ما تحتاج إليه وتصدّر بشكل كبير، وأمريكا في الوضع ذاته، بينما هي الآن تقف عاجزةً عن مجاراة تلك الأقطاب بفعل التصدّعات والأزمات التي تعصف بها، بل ستُضاف إليها أزمات جديدة في العام المقبل، وما يزيد الطين بلّة أن فرنسا التي تعدّ زعيمة الاتحاد الأوروبي مثقلة الآن بأزمات أقحمتها في خضمّها آلة الحرب الأمريكية، وزجّتها في صراعاتٍ متعدّدة، وخاصةً في القارة السمراء، ويبدو أنها لا تملك قرار الخروج منها على الرغم من سوء أوضاعها.
وتدّعي أوروبا أنها ستقاضي الولايات المتحدة على تصرّفاتها المسيئة اقتصادياً أمام منظمة التجارة العالمية، ولكن السؤال هنا ما هو الطائل إن كانت أمريكا تسيطر على تلك المؤسسة وتتحكّم بقراراتها بشكل كامل؟، كذلك تحاول أوروبا خلق أوراق ضغط على الولايات المتحدة لتعدّل من سياساتها، لكن يا ترى هل ستكون تلك الأوراق قوية، ولو كانت كذلك لماذا لم تحرّكها أوروبا حتى تاريخه؟.
ما تقدّم يؤكد أنّ تخفيف سيطرة أمريكا على القرار السياسي والاقتصادي لأوروبا أمرٌ مستبعد في المدى المنظور، وهذا يعني أنّ أوروبا لا تزال تفضّل لعب دور التابع الوفي، حتى لو كانت في الحقيقة أُعطيت أثناء توزيع السيناريو دور “الزوج المخدوع”.
بشار محي الدين المحمد