العسل المغشوش يغزو الأسواق و”الأصلي” على الرفوف ينتظر التسويق!
بأقل من سعر ثلاثة أو أربعة كيلو من السكر يمكنك اليوم الحصول على كيلو عسل “شغل الجبل” على ذمة مفترشي الطرقات بعدد لا يستهان به من “مطربانات العسل” المغشوش حتماً، وغير الملاحق من قبل “حماة المستهلك” الذين يقفون عائقاً – بحسب أهل الخبرة – في وجه تسويق العسل الصحي الصحيح، إذ لا يختلف اثنان على أن انسيابية العسل المغشوش في أسواقنا تفوق انسيابية العسل الأصلي على مرأى الجهات المعنية بحماية المنتج المحلي، لاسيّما وأن هذا المنتج يحقق عائداً كبيراً لخزينة الدولة في حال تم الأخذ بيد قطاعه المتعافي حديثاً على محمل الجد!!
البيع بغطاء التسول
ففي وقت صدحت على مسامعنا مراراً وتكراراً مطالب مربي النحل ورئيس أمانة اتحادهم بضبط تدفق المغشوش من المادة وردع المخالفين، كان تكثيف جهد وعمل منتجي وموردي العسل المغشوش يتضاعف لنجد أن هذه المادة “تتمختر” وسط النهار على الأرصفة داخل المدن وبجوار مراكز الانطلاق والمناطق العشوائية وصولاً إلى الشوارع المرموقة التي لم تسلم من موزعي هذه المادة من قبل بعض النسوة اللواتي يطرقن أبواب المنازل لبيع المادة بأسلوب الاستعطاف والترجي، والتأكيد بأنها من إنتاج منطقتهم، ومصدر رزقهم الوحيد، ليبدأ سعر الكيلو المغشوش بـ 20 ألف في منطقة الكراجات، وينتهي بأكثر من 60 ألف في منطقة أبو رمانة، مع العلم أن العسل هو ذاته والمتحكم بالسعر هنا هو رفاهية الشارع الذي يقبع به “مطربان العسل”.
مهرجان دولي
وكأي قطاع في البلد لم يسلم من تداعيات الحرب، كان لهذا القطاع حصته من الأذى الذي استمر مربو النحل بحصد نتائجه المريرة على مدى سنوات طويلة، إذ لم تنجح المهرجانات والمعارض التي تقام سنوياً في عودة دوران عجلة هذا القطاع كالسابق، لاسيّما وأن العوائق والمشاكل التي تعترض استمرار عمل مربي النحل تتفاقم عاماً تلو الآخر، يرافقه عزوف الكثيرين وتسربهم من العمل بعد فقدانهم خلايا النحل خلال الحرب، الأمر الذي لم يُخفه إياد دعبول رئيس “أمانة سورية لاتحاد النحالين العرب”، لافتاً إلى سعي الأمانة لإعادة تعويض الفاقد من الخلايا وسعيها بالتعاون مع وزارة الزراعة لعودة انسيابية العسل السوري ذي الجودة المعروفة في الأسواق المحلية والخارجية من خلال المهرجانات والمعارض، والتي كان آخرها المعرض الرابع للعسل الذي بدأ منذ يومين، وسيكون بداية لمهرجان دولي كبير سيقام في العام 2024 في سورية، وسيضم مؤتمر اتحاد النحالين العرب بمشاركة جميع الدول العربية خاصة مصر وليبيا والجزائر و العراق ولبنان، كما سيتضمن معرضاً على مستوى الدول العربية بحضور خبراء أجانب.
ضعف التسويق
ولم ينف رئيس “أمانة سورية لاتحاد النحالين العرب” ضعف العملية التسويقية اليوم والتي لا تلبي طموحات النحالين لجهة السعر ولجهة كمية التسويق، سيّما وأن دعم العملية التسويقية لا يقل أهمية عن العملية الإنتاجية، إذ يجب أن تسير العملية التسويقية بوتيرة واحدة مع حجم الإنتاج الموجود، خصوصاً وأن العسل السوري متميز بنوعيته وجودته ورخص سعره مقارنة بالأسعار العالمية إذ يبلغ متوسط سعر الكيلو منه محلياً الـ 40 ألف ليرة سورية.
دعبول، والذي كان متفائلاً بالمعرض الأخير، خاصة وأن عمليات التصدير بدأت – حسب قوله – إلى الإمارات، مع إمكانية التسويق إلى الأردن ولبنان، لاسيّما وأن هذا المعرض كان يضم وفداً أردنياَ أبدى اهتمامه بالعسل السوري، بالتالي وجودهم كان فرصة جيدة للنحالين ليعرضوا منتجاتهم، إضافة إلى مشاركة 48 جناحا من مختلف المحافظات السورية.
وأشار دعبول إلى أن غلاء مستلزمات النحل يشكل أكبر عائق اليوم أمام المربين، لذا من الأجدر مساواة هذه المستلزمات بالأدوية البيطرية وغيرها من المواد المعافاة من الرسوم الجمركية، ناهيك عن ارتفاع سعر المازوت الذي يشكل مادة أساسية في نقل خلايا النحل، والذي لا زال برسم انتظار دعم سعره للمربين، أو منحهم ما يسمى “بطاقة نحال”، مثلاً، تخولهم تعبئة المازوت بسعر مدعوم، إضافة إلى عدم محاربة الجهات المعنية لوجود العسل المغشوش في الأسواق والتي تقف بوجه عملية انسيابية العسل الطبيعي بشكل صحيح.
عائد مادي
رئيس “أمانة سورية لاتحاد النحالين العرب” أبدى خلال حديثه الكثير من الاهتمام لجهة دعم المربين وضرورة معالجة تسرب النحالين خاصّة وأنّ أعداد المهاجرين منهم ليست كبيرة – كما قال – لكن يجب معالجتها للمحافظة على الثروة النحلية في سورية، لافتاً إلى كبر حجم القطاع بوجود 400 ألف خلية و20 ألف عائلة تعمل بهذا القطاع، إضافة إلى تجاوز عائداته الـ 2000 طن. وأشار دعبول إلى وصول سعر طن العسل العالمي إلى 5000 دولار أمريكي، أي أن الـ 2000 طن هو رقم لا يستهان في حال تم تسويق المادة بالشكل الأمثل، عدا عن أهمية عائدات النحل بالنسبة للتلقيح الخلطي والتي تشكل 70% كقيمة عن منتجات خلية النحل، أي أن هذه العائدات تشكل دعم للقطاع الزراعي في ظل عدم توفر الأسمدة. وعن الخطط المستقبلية لفت دعبول إلى أن الاتحاد حالياً في طور تنفيذ مشروع مع وزارة الزراعة الإصلاح الزراعي بالتعاون مع أربع منظمات أخرى.
صعوبة التصدير
وعلى الرغم من الجهود والمعارض التي تقام سنوياً إلّا أن لسان حال مربي النحل ما زال يشي بتراجع وتدهور هذا القطاع كباقي القطاعات التي ترفد خزينة الدولة بمبالغ ليست بالقليلة في حال تم استخدامها بشكل صحيح، إذ لا تقل الأهمية الاقتصادية لهذا القطاع عن الأهمية الغذائية والبيئية له، بحسب ما تحدث عنه المربي أيمن الحداد، إذ لا يخفى على أحد مساهمة النحل بزيادة الإنتاج الزراعي وزيادة إنتاج الثروة الحيوانية، لافتاً إلى أهمية المعارض التي تُقام إلاّ أنها لا تفي بالغرض المطلوب على أكمل وجه، فتسويق المنتج يجب أن يستمر على مدار العام لا أن يقتصر على المعارض. ووجد الحداد أن دور هذه المعارض يقتصر على تسويق كميات محدودة واستفادة المشاركين من خبرات بعضهم وإعادة الترويج للمنتج المحلي عالمياً بعد أن فقد موقعه في الأسواق العالمية لسنوات طويلة، لكن المطلوب اليوم هو بذل جهود مضاعفة وتقديم الدعم المادي والفني للنحالين الذين دخلوا إلى هذا القطاع مؤخراً، وتوفير مستلزمات الإنتاج بدءاً من المازوت وصولاً إلى تسهيل تسويقه، إضافة إلى وضع عقوبات جدية وشديدة لكل من يروج للعسل المغشوش الذي من شأنه الإساءة للعسل الأصلي علناً دون تحريك ساكن من قبل المعنيين. وشكا حداد بلسان المربين من صعوبة التصدير وهي مشكلة تقف بوجه المربين الأمر الذي يقتضي البحث عن مستوردي العسل السوري دولياً ومن ثم عالمياً.
ميس بركات