“رسائل نازفة”.. الحب قيمة إنسانية كبرى
أمينة عباس
في أولى تجاربها الكتابية ارتأت الكاتبة هند الخضر أن تتحدث عن هواجسها الذاتية التي لم تستطع تجاوزها في أول كتاب صدر لها مؤخراً عن دار دلمون الجديدة وحمل عنوان “رسائل نازفة” وقد تناثرت فيه القصص التي لا تنتمي في عناصرها للقصة الكلاسيكية، مغرّدة في سرب الفكرة التي كانت تشتعل في داخلها عبر لغة سردية سلسة، مباشرة حيناً ورمزية أحياناً، عبّرت من خلالها عن الجرح العميق الذي ضرب روحها ذات مساء، هذا الجرح الذي تعاني منه الغالبية العظمى من الناس نتيجة فشل تجاربهم العاطفية لأسباب متعددة في رحلة بحث عن خبايا النفس البشرية عبر بوحها الذي قدمته بلغة رشيقة قريبة من العقل والقلب، بحيث تجعل القارئ يتنقل بين حقول مجموعتها وكأنه أحد أبطال هذا الوجع.
رسائل منها ولها
يشي عنوان المجموعة بما كانت تعانيه الكاتبة التي تبيّن في تصريح لـ “البعث” أن الكتاب هو أول عمل مطبوع لها ويتضمن 34 نصاً بدأتها بسلسلة متواصلة من الرسائل، ثم نصوص نثرية بعناوين مختلفة، وكان الحب والظروف الاجتماعية التي تقف في طريقه القاسم المشترك بينها، محاولة إبراز الحب كقيمة إنسانية كبرى.
وبيّنت هند أنها بدأت بكتابة الخواطر وكانت تخجل من نشرها، وعندما قرأت رسائل كافكا لميلينا أعجبتها الفكرة كثيراً، فكانت فكرة الكتاب ليكون بعنوان رسائل إلى مجهول، لكنها سرعان ما غيرت العنوان إلى “رسائل نازفة” لأنه يتناسب مع المحتوى الذي جاء تعبيراً عما بداخلها، مؤكدة أنها كتبت رسائلها لنفسها وليس لطرف آخر، وأنها عندما كتبتها لم يكن في نيتها إصدارها في كتاب، موضحة الخضر أنها لم تكتب الشعر في بداياتها كما معظم الكتّاب، بل ذهبت فوراً إلى القصة، وتأثرت بالقاصّ محمد حسين الذي تعتبره مثلها الأعلى لأنها قرأت كلّ ما كتبه، وقد رافقها في كل خطواتها، وكان الداعم الأساسي لها، ورأت أن ما يميزها عن كتّاب القصة بشكل عام والكاتبات بشكل خاص أنها كسرت قواعد كثيرة تخص الحب، فهي في بعض القصص الواقعية لم تخفِ اسمها كما جرت العادة عند الكاتبات، أما الشكل الفني فلم يكن هاجساً لها ولم تفكر بأي تقنية عندما كانت تكتب، بل كانت تكتب بشكل عفوي.
صعوبة الكتابة
وختمت هند الخضر تصريحها مؤكدة أن الكتابة صعبة جداً لأن الكاتب يريد أن يوصل معلومة لشرائح مختلفة من المجتمع، ولكي ينجح في ذلك يجب أن يصل إلى قلوب القراء من خلال عمل مكثف وبسيط وبكلمات ومفردات واضحة، منوهة إلى أنها بصدد إصدار مجموعة قصصية أخرى بعنوان “مسافة أمان” تضم قصصاً واقعية تتناول فيها موضوعات اجتماعية متنوعة كمشاكل الطلاق والعلاقة بين الزوجة وأم الزوج وعمالة الأطفال، ولأن قصصها لم تنتهِ فهي تطمح لكتابة الرواية في المستقبل.
ماهية الحب
وأشار الكاتب والصحفي محمد حسين في تقديمه للكتاب إلى أن الكاتبة أبدعت في غالبية النصوص في وصف الحب كقيمة إنسانية، وطرحت سؤالاً عن ماهية الحب المرغوب أو المتاح في ظل الظروف الاجتماعية المعقدة التي يعاني منها المجتمع العربي، وقد وضعت القارئ أمام نوعين من الحب، فإما أن يكون على طريقة الكبار ويحتوي على كثير من الألم والوجع والعذاب لأسباب مختلفة متعلقة بالظروف الاجتماعية، وإما على طريقة الصغار ومفعم بالعفوية والصدق والتلقائية، حيث كانت الكاتبة تضمر شعوراً تؤشر من خلاله إلى الصعوبات الجمة التي يعاني منها الحب على طريقة الكبار.
ومن رسائل الكاتبة النازفة نقتطف:
إلى من يجهله قلبي ويعرفه الكون:
أخط بنبضات وريدي رسالتي، أعترف فيها بسقوط وجهي فوق أصابعي النازفة.. اليوم سأخبرك عن انهيار عطرك في معطفي ومعانقة أوراقك ضرب من الانتحار. سأخبرك ليس بجانبي إلا الفراغ كي أستند إليه بعد رحيلك، لا أستطيع التقدم ولا التراجع. لماذا أتيت إذا كنت تنوي الرحيل؟ لماذا مشيت إلى إذا كنت على يقين بأنني الضياع؟ لو أخبرتني الأيام بأنها ستأخذك مني ذات مساء لقطعت جميع اتصالاتك وحجزتك في قلبي بلا أنوار، وغطيتك بشراييني وأنشدت لك أنشودة لتنام.