الدورية الجوّية المشتركة رسالة واضحة
تقرير إخباري:
بعد مضيّ ساعاتٍ من تصريحات البنتاغون المحذّرة من تنامي القدرات العسكرية للجيش الصيني، وادّعائه سعي بكين إلى امتلاك 1500 رأس نووي في غضون السنوات الخمس القادمة لمنافسة الولايات المتحدة، وتحذيره أيضاً من تزايد التقارب الروسي الصيني وما قد ينجم عنه من “مخاطر على الغرب”، وما يرافقه من آثار على الصعيد العسكري وتزايد قوة الصين الممتدة من المحيط الهندي إلى المحيط الهادئ واقترابها من مشارف الولايات المتحدة وفق مزاعمه، ناهيك عن آثار ذلك التقارب على جميع الصعد التقنية والتجارية، حيث وصل التبادل التجاري بين الصين وروسيا إلى أكثر من 146 مليار دولار، إضافةً إلى أنّ الصين أصبحت المشتري الأول للنفط والغاز الروسيين، إذ بلغت صادرات الغاز 100 مليار متر مكعب سنوياً، ردّت بكين على تلك التصريحات الاستفزازية للبنتاغون دبلوماسياً مستهجنةً لهجتها بطريقة تظهر رغبة الصين في أن تغيّر الولايات المتحدة سياساتها التصعيدية، والكفّ عن النظر إلى الشعوب الأخرى على أنها أعداء، أو يجب الهيمنة عليها، ودعت واشنطن إلى السعي تجاه الحدّ من انتشار الأسلحة النووية للوصول إلى عالم يخلو منها تدريجياً، ما يعكس مدى حرص بكين على إرساء السلام بين دول العالم في جميع علاقاتها.
على ضفةٍ أخرى حدثت المفاجأة المزعجة لأمريكا والغرب بتنفيذ قاذفاتٍ روسية وصينية محمّلة بصواريخ استراتيجية دورية جوية مشتركة فوق بحر اليابان وبحر الصين الشرقي يوم الأربعاء، حيث تُعدّ هذه الدورية تطوّراً لافتاً في هذا الوقت، فعلى الرغم من أنها ليست الأولى من نوعها، لكنها وللمرة الأولى تشهد تبادلاً لهبوط القاذفات الصينية في مطار روسي، ونظيراتها الروسية في مطار صيني، وتعكس هذه المظاهر المشتركة تأكيد وجود تقارب كبير بين روسيا والصين، ووحدة موقف تجاه أهم القضايا والأخطار التي تتربّص بالبلدين سواء على الساحة الأوكرانية وأوروبا الشرقية، أم على الساحة الآسيوية المجاورة للصين في الشرق الأقصى، وأيّ أخطار مشتركة قد تهدّد سلامة البلدين على مستوى العالم، حيث تحاول الولايات المتحدة جاهدةً في الوقت الحالي إعادة إنتاج الأزمة الأوكرانية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، معتمدةً على بؤر توتر مثل تايوان وبحر الصين الجنوبي وشبه الجزيرة الكورية.
كذلك تُعدّ هذه الدورية رداً على تزايد الحرب الدعائية الغربية بأن “الصين تخلّت عن دعم روسيا أو لم تظهره إبان الحرب الأوكرانية”، مع العلم أنّ موسكو أعلنت منذ البداية أنها ستخوض عمليتها الخاصة بالاعتماد على إمكانياتها وترسانتها الذاتية، وأنها لا تنتظر دعماً من أي دولة، حيث تعزّز هذه المظاهر الموقف الصيني الإيجابي تجاه روسيا بغض النظر عن وجود أو عدم وجود تصريحاتٍ مباشرة منها.
وأكد خبراء عسكريون صينيون أنّ قيام الجيشين الروسي والصيني بتنفيذ دورية جوية مشتركة فوق المحيط الهادئ هو بمنزلة رسالة بأنهما لن يسمحا للولايات المتحدة بإعادة إنتاج الأزمة الأوكرانية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مؤكدين أنه من المتوقع أن تعمّق الصين وروسيا تعاونهما العسكري في المستقبل، وبما أنهما لا تستهدفان أي دولة أخرى أو طرف ثالث فإنهما ستعززان السلام والاستقرار في المنطقة.
وفي نهاية المطاف، بكين ستواصل مع روسيا وجميع الدول ذات التفكير المماثل الخطوات غير المسبوقة والمتسارعة لتعزيز تعدّدية الأقطاب في العالم بشكل حاسم.
بشار محي الدين المحمد