لماذا يصرّون على تسييس “الكيميائي”؟
طلال ياسر الزعبي
لا شك أن سورية تمكّنت خلال وقت قياسي (ثمانية أشهر)، من تنفيذ قرارها السيادي بالتخلص نهائياً من الملف الكيميائي السوري، والانضمام إلى منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية، وذلك لإيمانها العميق برفض استخدام الأسلحة الكيميائية من قِبل أيّ كان، وفي أي مكان، وتحت أي ظرف، وهذا ما عبّر عنه مندوب سورية لدى المنظمة مراراً.
غير أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين لا يزالون يستخدمون هذه المنظمة سياسياً لإدانة سورية، وتبرير فرض عقوبات عليها، حيث تصرّ الدول الغربية على ممارسة الضغوط على “منظمة الحظر” لحرفها عن مسارها وتسييسها لمصلحة أجندات سياسية بعيدة كل البعد عن مجال عملها، فضلاً عن محاولة تحميل هذه المنظمة صلاحياتٍ خاصة بمجلس الأمن حصراً، والعبور من خلال ذلك إلى تبرير المزيد من العقوبات الأحادية ضدّها، للقفز على صلاحيات المجلس وتهميشه، وهذا ما أعلن عنه أيضاً نائب المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، ديمتري بوليانسكي، عندما تحدّث عن أن المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، فرناندو أرياس، يخشى الظهور أمام مجلس الأمن الدولي، وذلك لأنه لا يستطيع أن يتحمّل “علنياً المسؤولية عن الانتهاكات السافرة التي ارتكبتها الأمانة الفنية للمنظمة التي يترأسها”.
وأكدت دمشق دائماً أن تجاهل الغرب تعاونها مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية يهدف إلى تقويض الأمن والاستقرار في سورية، وحماية الجماعات الإرهابية التي يدعمها وفي مقدّمتهم “الخوذ البيضاء” التي عُثر على مؤسّسها الضابط السابق في المخابرات البريطانية جيمس لو ميسورييه، ميتاً في اسطنبول عام 2019، بعد أن افتُضح أمر علاقتها بالاستخبارات البريطانية، وسط تكهّنات حول ضلوع المخابرات التركية في مقتله، وذلك لأنه يشكّل صلة الوصل بين الجماعات الإرهابية والنظام التركي، والدليلَ الدامغ على التورّط الغربي والتركي في إنشاء هذه المنظمة ودعمها.
وقد أثبتت بعثة تقصّي الحقائق التابعة للمنظمة في غير مناسبة أنها مسيّسة وغير مهنية في تقاريرها المعلنة التي لحق بها الكثير من التزوير والفضائح، وبالتالي فإن المنظمة تحوّلت إلى أداة سياسية تستخدمها الولايات المتحدة وحلفاؤها لاستهداف الدول ذات السيادة.
وللمفارقة، فقد أكدت إعادة إنتاج سيناريوهات السلاح الكيميائي في الساحة الأوكرانية وفبركة مشاهد وصناعة مسرحيات لاتهام الجيش الروسي باستخدام هذا السلاح ضدّ المدنيين هناك، أن الاتهامات باستخدام السلاح الكيميائي يُراد منها على وجه الخصوص الابتزاز للحصول على غايات سياسية، وخاصة أن الطرف المتهم باستخدام السلاح الكيميائي في أوكرانيا، وهو موسكو، يلاحق الولايات المتحدة ودولاً غربية أخرى في المنظمات ذاتها، وعبر مجلس الأمن، حول تورّطها في نشر وتطوير برامج أسلحة جرثومية في مختبرات لها تعمل على الأراضي الأوكرانية، وهذا بالضبط ما يجعلها دائماً تحاول إجبار المنظمات الدولية على البحث في ادّعاءاتها المفبركة حول سورية وروسيا، لصرف نظرها إلى اتجاه آخر ومنعها من التحقيق في الأدلّة والبراهين التي قدّمتها روسيا على تورّط واشنطن وحلفائها بإنتاج سلالات بكتيرية خطيرة ونشرها في كثير من دول العالم، وليس آخرها فيروس كورونا.
فالمسألة باختصار أن الغرب عندما يعجز عن تحقيق أهدافه من خلال الحرب الحقيقية في الميدان، يعمد إلى صناعة بروباغندا خاصة يعيد من خلالها إنتاج الأزمة، ظنّاً منه أن ما لم يحصل عليه بالقوة يمكن أن يناله بالاحتيال، وهذا بالضبط ما يحاوله تجاه سورية وروسيا معاً.