بعد خراب مالطا.. أصوات أوروبية تدعو إلى الحوار مع موسكو
تقرير إخباري:
لماذا لم توفّر أوروبا على نفسها منذ البداية عناء الخضوع لشروط موسكو في الضمانات الأمنية، ما دامت ستضطرّ لاحقاً إلى الإقرار بأن المخاوف الروسية يجب أن تُراعى، وهل كان يجب عليها أن تصل إلى ما وصلت إليه من أزمات اقتصادية خانقة باتت تهدّد بسقوط حكوماتها، حتى تقتنع بضرورة أخذ وجهة النظر الروسية بعين الاهتمام؟.
ولكنها في حقيقة الأمر كانت منساقة وراء أحلام واشنطن بهزيمة روسيا استراتيجياً والتخلّص منها نهائياً على خلفية ما ظنّت أنه مستنقع أوكراني أدخلتها فيه، في الوقت الذي تحوّل فيه هذا المستنقع المفترض إلى ثُقب أسود يستنزف اقتصادات الدول الأوروبية، فضلاً عن أنه نسف نظرية الأمن الأوروبية من أساسها، حيث تحوّلت أوكرانيا إلى بؤرة للإرهاب والتطرّف بفعل الدعم الغربي غير المحدود للنظام الأوكراني بشتى أنواع السلاح، فضلاً عن تجنيده آلاف المرتزقة والإرهابيين الذين سيصبح الفضاء الأوروبي مرتعاً خصباً لهم بعد توقف الحرب في أوكرانيا.
فبعد تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بأن بنية الأمن المستقبلية في أوروبا يجب أن تشمل تقديم الغرب ضماناتٍ أمنيةً لروسيا، بدأت الأصوات في أوروبا تتعالى لتأييد هذا الكلام، حيث أكد خوردي كوردوبا لصحيفة Rebelión أن سير القتال في أوكرانيا يزيد موقف رئيس النظام الأوكراني فلاديمير زيلينسكي سوءاً، وأن عليه وقف القتال قبل ضياع الفرصة، والجلوس إلى طاولة التفاوض مع موسكو.
وقال كوردوبا: إن “الولايات المتحدة ودولاً أخرى، بينها بريطانيا، ما زالت مستمرة في عرقلة أي مفاوضات يمكن أن تنهي النزاع، على الرغم من أن دعمها غير المشروط لزيلينسكي يبدو أنه بدأ يتراجع”.
وأضاف: إن الولايات المتحدة هي المستفيد الوحيد من هذا الوضع بزيادة اعتماد الاتحاد الأوروبي اقتصادياً وعسكرياً عليها.
وأكد أن الأزمة الأوكرانية ما زالت بعيدة عن الحل وأن الأوان قد فات على الحديث عن الوضع المحايد لأوكرانيا.
واعتبر أنه لا ينبغي على أوكرانيا الانضمام إلى “الناتو”، ويجب إخراج الأراضي التي أصبحت جزءاً من روسيا من المفاوضات من أجل تلبية مصالح موسكو.
ودعا عضو البرلمان الفرنسي، نيكولا دوبون آينان، الاتحاد الأوروبي إلى وقف إمداد كييف بالأسلحة، وإلغاء العقوبات ضد روسيا التي أدّت إلى ارتفاع أسعار الوقود والغذاء في أوروبا والولايات المتحدة.
وأكد أن روسيا دولة عظمى وستبقى كذلك، وطالب دول الاتحاد الأوروبي بضرورة إيجاد حل سلمي للأزمة الأوكرانية، وتهدئة الرئيس الأوكراني لتجنّب الوقوع في فخ “الانتحار الاجتماعي والاقتصادي”.
وأشار إلى أن الصراع الأوكراني اتخذ منحنى خاطئاً، وأن زيلينسكي يستغل رغبة الأوروبيين في إضعاف روسيا، وعواطفهم تجاه المدنيين الأوكرانيين، وطالب فرنسا بالنأي بنفسها عن هذه المهزلة، واتخاذ موقف الحكم، لحماية مصالحها القومية.
وأضاف: إن هذه الأزمة أدّت إلى زيادة التقارب بين موسكو وبكين من جهة، وأوقعت أوروبا في شباك أزمة اقتصادية واجتماعية من جهة أخرى، وأشار إلى أن الولايات المتحدة هي المستفيد الأكبر منها.
ومثل هذا الكلام يدلّ من حيث النتيجة على أن النظرة الأوروبية إلى روسيا بدأت تتغيّر، ليس على خلفية حبّ لها، وإنما على خلفية الشعور بأن المنقذ الوحيد لأوروبا الآن هو العودة إلى الحوار مع موسكو والتشبيك معها اقتصادياً، وليس محاصرتها، لأن هذه السياسة أثبتت عقمها في التعاطي مع روسيا، بعد أن أدّت العقوبات الغربية غير المسبوقة على روسيا إلى نتائج عكسية باتت تهدّد بانهيار المنظومة الاقتصادية الرأسمالية الأوروبية بشكل كامل، وتحويلها دراماتيكياً إلى دول مستهلكة بعد أن أصبحت كبريات الشركات والمصانع الأوروبية تنقل أعمالها إلى الولايات المتحدة حيث استيقظت أوروبا متأخرة على حقيقة أنها جرّدتها من مصادر قوّتها عبر إجبارها على التخلّي عن مصادر الطاقة الروسية لمصلحة تحويلها إلى رافد للاقتصاد الأمريكي.
طلال ياسر الزعبي