ألمانيا قادت نفسها وأوروبا نحو الانهيار
تقرير إخباري:
رغم أن تصريحات المستشار الألماني أولاف شولتس يوم الإثنين الماضي تحمل مشاعر الفخر والتعالي بأنّ ألمانيا هي الضامن للاتحاد الأوروبي، وأنها ستعود لقوّتها العسكرية بعد مخاوفها من “الخطر الروسي”، متناسياً أنّ حلف “الناتو” هو من زحف نحو أوكرانيا لاستفزاز روسيا وتهديد وحدة وسلامة أراضيها وما آل إليه ذلك من إشعال حرب شعواء، فإنّ شولتس يمارس سياسة الهروب نحو الأمام ويتناسى المأزق الاستراتيجي الذي وضعت ألمانيا نفسها فيه.
فألمانيا تخلّت بدايةً عن تاريخها ومكوّنات قوميتها لتنصّب نفسها كقائدٍ لمشروع العولمة والهيمنة، وهي الآن ستدفع الثمن الأكبر وستعجّل بانتهاء هذا المشروع مع توحّد الشعوب الأوروبية ونقابات العمّال ضدّ السياسات الخاطئة والمتخبّطة لألمانيا ولجميع حكومات الاتحاد الأوروبي، وخاصةً مع انضمام أعداد جديدة إلى تلك الاحتجاجات ممن كانوا يظنون أنّ ثرواتهم ستنقذهم من تسونامي التضخّم والأزمات بعد أن ذابت في غياهب غلاء المعيشة.
وإنّ الخطيئة الكبرى لألمانيا أنها وعلى الرغم من قرارها الاعتماد على روسيا في معظم حوامل الطاقة عمدت إلى مقاطعة روسيا، كما سمحت لأصدقائها في أمريكا وبريطانيا بتفجير خط غاز السيل الشمالي 2 لتجلس دون أي حوامل طاقة، تاركةً الشعب الألماني دون مصادر للدفء، وأضخم معاملها أمام عدة خيارات، إما الإفلاس بانتظار تغيّر الحال، أو نقل المعامل دون رجعة نحو أمريكا أو الصين أو حتى تركيا بحثاً عن حوامل الطاقة لتشغيلها، وسيشكّل إغلاق المعامل الخطر الأكبر المهدّد لاقتصادها حالياً مع ترقّب موجة تضخّم وأزمة اقتصادية ستعصف باقتصادها مع بداية العام المقبل، وسينتقل خراب ألمانيا دون شك إلى جاراتها في الاتحاد الأوروبي وحتى خارجه إلى بريطانيا، على اعتبار أن الاقتصاد الألماني هو الاقتصاد الأقوى والمحرّك لأوروبا وبكساده ستصاب كل أوروبا بالشلل.
أما الخطيئة الثانية التي بدأت ألمانيا أيضاً بدفع ثمنها فتتمثّل في اعتمادها على العمالة المهاجرة، وكأنها تستورد الرّقّ، وذلك منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، ثمّ عززت ذلك بالاعتماد على مهاجرين خرّب حلف “الناتو” أوطانهم بعد أن تآمر عليها في سورية، وليبيا، وأفغانستان، وغيرها من البلدان ليسهّل استثمار قوّة عملهم بأجورٍ قليلة، ولكن مع توقّف النمو الاقتصادي الألماني تحوّل هؤلاء إلى فائض عمالة، وكارثة اجتماعية واقتصادية، وتتخبّط ألمانيا في محاولات طردهم وتوزيعهم على بعض دول أوروبا كبولندا وغيرها، لكن تلك البلدان رفضت استقبالهم وسبب ذلك تزايد الشروخ بين ألمانيا ودول أوروبا، إضافة إلى ذلك تتحوّل ألمانيا الآن إلى بلدٍ متقشّف بعد أن كانت دافع المعونة الأول لبعض دول أوروبا المرهقة اقتصادياً، وأضحت مصارفها مهدّدةً بالإفلاس تباعاً، وإن بدأ ذلك فسنشهد تساقطاً للمصارف كأحجار الدومينو يبدأ من ألمانيا وصولاً إلى فرنسا وبقية الاتحاد الأوروبي.
ولا ننسى أيضاً أنّ ألمانيا تسبّبت في انهيار وتراجع الكثير من اقتصادات أوروبا وبدرجة كبيرة، فهي أول من عبث به وجعله اقتصاداً متصلّباً، عبر اعتمادها على اقتصاد تصديري لبضائعها ومنتجاتها، واستفادتها من سعر تصريف منخفض لليورو، إضافةً إلى إصدارها قوانين الاتحاد الأوروبي الاقتصادية مفصّلةً على مقاس مصالح رجال أعمالها بالدرجة الأولى حتى وإن أضرّت ببقية دول الاتحاد، وبشكل أعدم المنافسة بينها وبين معظم دول أوروبا، وساهم أيضاً في سيطرتها على الكثير من اقتصاداتهم وإضعافها، وجعلها كتابع لها.
من كل ما سبق، نجد أنّ الأدلة أصبحت كاملة على عدم صلاحية ألمانيا لقيادة الاتحاد الأوروبي بعد أن كانت تعدّ مثالاً يحتذى به لنظيراتها من دول الاتحاد، ورأينا أيضاً مدى تزايد الشرخ الألماني الفرنسي في الآونة الأخيرة، وتصرّف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أنه المنقذ لأوروبا من أزماتها بعيداً عن القيادة الألمانية، مع عدم إغفالنا أنّ سياسات المذكورين أسوأ من بعضها، ولم ولن يتحقّق الحل إلا بتغيير جذريٍّ وسريع في المنظومة والنهج الأوروبي.
بشار محي الدين المحمد