لدورها الريادي في تعزيز ثقافة الانتماء والمقاومة.. ناديا خوست مكرّمة في اتحاد الكتّاب
أمينة عباس
لم يكن تكريم اتحاد الكتّاب العرب لـ د. ناديا خوست بمناسبة مرور 45 عاماً على عضويتها في الاتحاد، ودورها الريادي في تعزيز ثقافة الانتماء والمقاومة ورفض التطبيع وثقافة الاستسلام، إلا التفافة شكر لأديبة ومناضلة ومفكّرة تفخر سورية بها، وواحدة من الأديبات اللواتي لم يتغيرنَ رغم كلّ ما مر به بلدنا من مواقف صعبة، وكانت دائماً منحازة للأصالة والانتماء والمواقف الحقيقية، وهي المناضلة التي لم تهن عزيمتها عن الدفاع عن فلسطين وكانت في طليعة المثقفين الذين تداعوا لكسر الحصار عن العراق عندما كان يتعرّض لأشرس حصار عليه، وهي المعروفة أيضاً بدفاعها عن تراث وأصالة دمشق من خلال جهود كبيرة قامت بها على أرض الواقع وعبر مقالات كتبتها في صحيفة “تشرين” كُنّا نترقبها دائماً لنستشعر الصدق في الدعوة للحفاظ على هذه المدينة التي أراد لها البعض أن تُباع لهذا وذاك، كما بيّن د. محمد الحوراني رئيس الاتحاد.
مفكرة ومناضلة
لم تكن المداخلات التي قُدّمت في حفل التكريم الذي أقيم في فرع دمشق لاتحاد الكتّاب العرب ضمن نشاط أربعاء الكاتب السوري الذي يشرف عليه د. إبراهيم زعرور رئيس الفرع، ويديره الإعلامي ملهم الصالح، وبشهادة المشاركين فيه د. راتب سكر، والكاتبة مريم خير بيك، و د. ريما دياب، والإعلامية ميساء نعامة، إلا إضاءات على مسيرة طويلة لأديبة ومفكرة ومناضلة، وقد أجمعوا في مداخلاتهم على أنها قامة أدبية وثقافية وإنسانية مؤثرة مجتمعياً وموثقة للتاريخ ومناضلة شاركت في مظاهرات ضد الأحلاف العسكريّة التي كانت تهدّد سورية حين كانت شابة، وقد استمرت بنضالها وكان القلم أداتها الأهم في هذه المرحلة من العمر، وهي الأديبة التي كان في تاريخها خيط تنسج به ومنه كلّ أعمالها ودراساتها السياسية والنقدية والروائية، وهذا الخيط هو وطنيتها التي أعطتها شفافية عالية تتلمّس من خلالها أوجاع الوطن والناس، وقد أثبتت أنها صاحبة مشروعٍ تنويري وتوعوي وثقافي، وصاحبة رؤيةٍ شاملة للمشهدِ العام السوري والعربي والعالمي. ورأى المشاركون أنه لم يكن غريباً على خوست أن تكتب عن دمشق وتدافع عنها وتدعو لحمايتها لتكون المنطلق نحو فضاءات عديدة، حيث انتقلت في كتابها “أوراق من سنوات الحرب على سورية” للحديث عن سورية المهدّدة بوجودها، حيث توقفت د. ريما دياب في مشاركتها ملياً عند هذا الكتاب لتبيّن أن المدوّنات التي كُتِبَت في فترة الحرب على سورية كانت في غالبيتها تفتقد إلى تناول أسبابها، فأغلبها كان يتناول أحداثاً شاهدها الكثيرون، في حين أن وظيفة الأدب إلقاء الضوء على أمور لا يستطيع الإنسان العادي أن يعرف تفاصيلها، وهذا ما فعلته خوست في كتابها بمعاينتها للأسباب التي أدّت إلى الحرب على سورية ومَن ساعد في إشعالها، مركزة في جانب فيه على الإعلام الذي ساهم في تشويه الإنسان السوري والجيش السوري، مؤكدة أن الكتاب هو مذكرات تؤرّخ فيه الكاتبة وتوثق بدقة لفترة من تاريخ سورية، لتؤكد دياب في نهاية مداخلتها على أننا بحاجة لمفكرين أدباء أمثال د. خوست لأننا اليوم في أزمة ثقافة وفكر.
أوج النضج
وتوقف د. سكر والكاتبة خير بيك عند كتاب أصدرته خوست مؤخراً وحمل عنوان “موسكو.. أطياف وذكريات”، وفيه يغوص القارئ بين أحداث العالم ويجيب عن سؤال “لماذا هذه الحرب على سورية؟”، إذ بيّنت خير بيك أن خوست من خلال ذكرياتها في هذا الكتاب تربط الماضي بالحاضر وتوجد إسقاطات لكل حدث وذكرى عاشتها في الاتحاد السوفييتي الذي تعرّض لمؤامرة صهيونية كبرى لنكون تحت سياسة القطب الواحد، مؤكدة أن نظرة الكاتبة في هذا الكتاب بلغت أوج نضجها في انتقالها إلى الهمّ العالمي، لتشير في نهاية كلامها إلى أنه ومهما تحدثنا عن خوست نبقى مقصّرين لأن تجربتها كإنسانة وأديبة ومناضلة واسعة الطيف، في حين أشار د. راتب سكر إلى بعض ما جاء في هذا الكتاب، وخاصة ما جاء تحت عنوان “مأتم ناظم حكمت”، وكذلك إلى ما كتبته عن زواج الشاعر يسينين من حفيدة الروائي ليف تولستوي، ثم خصامهما، كما تنقّل سكر بين صفحات روايتها “حب في بلاد الشام” ومتابعة بنات الطيرة -قرية فلسطينية- وصلاتهن بثقافات زمنهن، وبين روايتها “أعاصير في بلاد الشام” لنسافر مع الفتى الفلسطيني من صفد إلى طبرية، مبيناً أن خوست بدلاً من إدخال مكتبات العالم إلى غرفتها الصغيرة خرجت مع تلك المكتبات تتنقل بين شوارع دمشق والعالم، مؤكداً أن هذا العالم الواسع يحتاج قلباً نابضاً بسرعة قلب أديبة من طراز د. خوست.
حالة اكتشاف
وللإجابة عن تساؤل طرحته الإعلامية ميساء نعامة في مداخلتها “من أين جاء هذا الفيضُ من الثقافةِ والفكرِ وتأصلِ الوعي الثقافي والمجتمعي في شخصية الأديبة ناديا خوست لتكون من أهم أعمدة الثقافة السورية والعربية؟” ذهبت مباشرةً للحديث عن البيئة الاجتماعية التي ولدت وتربت فيها خوست، من الحيّ إلى المدرسة إلى منزل أبويها، وممارسة هواياتها وشغفها بالقراءة وحفظ الشعر العربي، وهي أجواءٌ متنورةٌ منفتحةٌ على الآخر، مبينة أن قرارها بامتهانِ الكتابةِ والتفرغ للأدبِ جعلَ منها الأديبةَ التي تلامسُ روحَ ووجدانَ القارئِ والتي مازالت في حالةِ اكتشافٍ دائم للثقافات، وأن رسالتها لشباب اليوم “الإنسانُ يصدأ دون ثقافةٍ، والثقافةُ هي عملية ٌمستدامة لا تقفُ عند حدودِ التحصيل العلمي”.
محظوظة جداً
وأشارت د. خوست في حديثها إلى الحضور إلى أنها محظوظة جداً بتقدير الاتّحاد وأعضائه وزملائها فيه لها، وأنها استمعت جيداً إلى المداخلات التي كانت بمثابة تحليل أدبي، وقدّرتْ كثيراً ما ورد فيها، وخاصةً ما يتعلق بكتابها “أوراق سنوات الحرب على سورية” والذي نشرته عام 2014 وهو كتاب مهمّ بالنسبة لها لأنها تجرأت وكتبته في بداية الحرب، مبينة أن كل كتاباتها كانت عن حب الوطن، وهو الذي جعلها تبحث عن السبب الذي جعل سورية دائماً في عين الخطر، وهي مدينة لمكتبة الأسد التي استطاعت بفضل التردّد عليها لمدة 3 سنوات للبحث في المجلات والصحف للوصول إلى معلومات مهمة تؤكد أننا وسط مشروع صهيوني يهدّد الوطن العربي بشكلٍ عام وسورية بشكلٍ خاص.
قصة ورواية ومسرح ودراسات
يُذكَر أن د. ناديا خوست بدأتْ بإصدار القصص عام 1967 حيث أصدرت خمس مجموعات قصصية، نذكر منها: “أحبّ الشام، لا مكان للغريب، مملكة الصمت”، وأصدرتْ أول رواية لها عام 1995 تحت عنوان “حب في بلاد الشام” تبعتها بـعدة روايات، لتقتحم وهي على عتبة الثمانين عالم الكتابة المسرحية بثلاث مسرحيات تحت عنوان “الحرب على سورية” وفي رصيدها عدد من الدراسات والسيرة والمذكّرات.