بوريل مندوب البيت الأبيض في أوروبا
تقرير إخباري:
“كلّما ازداد الدمار الذي تتعرّض له أوكرانيا، كانت فرصها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أكثر”.
هذا ما قاله مفوّض الاتحاد الأوروبي لشؤون الأمن والخارجية جوزيب بوريل، الذي لا ينفك عن إطلاق التصريحات الغريبة والمثيرة للسخرية أحياناً، حيث يبدو أن الرجل يعبّر حقيقة عن حالة من الاستغباء يمارسها السياسيون الأوروبيون لشعوبهم.
فبعد تصريحاته العنصرية المثيرة التي وصف فيها قارة أوروبا بالحديقة والعالم من حولها بالغابة المليئة بالوحوش التي ينبغي السيطرة عليها حتى لا تتمكّن من دخول هذه الحديقة، عاد بوريل هذه المرة ليشير خلال ندوة في معهد جاك ديلور في باريس، أمس الإثنين، إلى أنّ تسوية الحرب في أوكرانيا “يجب أن تتمّ بالتوافق مع أعراف القانون الدولي” من خلال تقديم الضمانات الأمنية لأوكرانيا.
وأضاف: إن “ما يخصّ روسيا، سنتحدث عنه في وقت لاحق”، وذلك ربما يشير إلى نوع من العنصرية المتعمّدة التي يمارسها في التمييز بين روسيا وأوكرانيا، أو ربما أراد أن يدغدغ مشاعر النازيين الأوكرانيين بأنه يفضّل تأمين ضماناتٍ لهم قبل روسيا، مع أن البلدين يجب أن يكونا طرفين متساويين على طاولة التفاوض.
بوريل الذي كان يعلّق على تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي قال في تصريح صحفي في أعقاب زيارته للولايات المتحدة: إنّ الصرح الأمني الأوروبي في المستقبل يجب أن يضمّ تقديم الضمانات الأمنية لروسيا، يغمز من طرف خفيّ إلى معارضته إعطاء ضماناتٍ أمنية لروسيا، وربّما كان حديث بوريل هذا بتوجيه من البيت الأبيض الذي لم يردّ في حينها على تصريحات ماكرون، بل فضّل كعادته أن يقول ما يريد عبر وسطاء، وليس هناك أفضل من “المتحدّث باسمه” في الاتحاد الأوروبي بوريل، الذي كلّفته الإدارة الأمريكية إجهاض هذه المفاوضات حتى قبل إقرارها.
وأثارت تصريحات ماكرون انتقاداتٍ من جانب أوكرانيا ودول في شرق أوروبا، تطالب باتّباع نهج أكثر تشدّداً حيال روسيا، وتتّهم غالباً الرئيس الفرنسي بأنّه متسامح جداً مع موسكو ومنفتح جداً تجاهها، الأمر الذي تنفيه باريس التي تؤكّد دعمها لكييف مع بقية الدول الأوروبية.
وفي جميع الأحوال، وحتى لو أراد بوريل، مداعبة سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني أليكسي دانيلوف الذي انتقد تصريحات ماكرون، وقال في تغريدة: “هل من أحد يريد توفير ضماناتٍ أمنية لدولة إرهابية وقاتلة؟”، فإن بوريل يعزف على وتر مقطوع، وذلك أن المفاوضات بالنتيجة يجب أن تراعي الوضع القائم على الأرض، وبالتالي لا يمكن أن تكافئ موسكو الغرب على دعمه غير المحدود للنازيين الأوكرانيين بتقديم تنازلات تعيد المشكلة إلى المربّع الأول.
ويبدو أن واشنطن كلّفت مجموعة من المتحدثين الأوروبيين بضرورة إفشال المسعى الفرنسي في الحوار مع موسكو، حيث اجتهد مجموعة من المسؤولين الأوروبيين في انتقاد حديث ماكرون، ومن بينهم وزير الخارجية الليتواني غابرييليوس لاندسبيرجيس، الذي اعتبر أنّه “علينا أن نبدأ بخلق (هذه الهيكلية الأمنية) مع أوكرانيا وليس مع روسيا”، بينما قال نائب رئيس الوزراء اللاتفي أرتيس بابريكس في تصريح لصحيفة “فايننشال تايمز”: إنّ فكرة إعطاء ضمانات أمنية لروسيا لإنهاء الحرب “تُعدّ وقوعاً في فخّ سردية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي تقول إنّ الغرب وأوكرانيا مسؤولان عن الحرب”.
وفي النهاية، تؤكّد هذه التصريحات وغيرها أن هناك مسؤولين أوروبيين من دول جانبية في الاتحاد تم تكليفهم من البيت الأبيض مباشرة إعاقة أيّ جهد دبلوماسي لإنهاء الأزمة في أوكرانيا، وليس بوريل استثناء من هؤلاء.
طلال ياسر الزعبي