صراع وتخبط غربي حول النفط الروسي
ريا خوري
ما زال العالمُ يعيش حالةً من الصراع على الطاقة بعد أن تحوّلت الحروب الساخنة والباردة إلى حروب على النفط والغاز. وفي هذه الفترة الساخنة لم يتوقف الغرب والولايات المتحدة الأمريكية عن تقريع منظمة “أوبك+”، لأنَّ هذه المنظمة، حسب زعم الغرب الأوروبي- الأمريكي، أعطت لنفسها الحق في تحديد أسعار النفط عالمياً، كما أعطت لنفسها أيضاً تقدير وتحديد كميات الإنتاج والتصدير، مع أنَّ الدول الأوروبية ومعها الولايات المتحدة، أكثر من يعرف أنّ هدف منظمة “أوبك+” هو حرصها الشديد على التوازن في السوق العالمية، وحمايتها من أي شكل من أشكال الفوضى التي يمكن أن تقع بها، كون المنظمة ائتلافاً بين أهم الدول المنتجة للنفط والغاز، وأنها تتصرف بمسؤولية كبيرة وعقلانية مراعيةً مصالح جميع الشركاء على اختلافهم، إن كانوا منتجين أم مستهلكين، وهو ما جعلها ترفضُ بشدة ما حاول الغرب الأوروبي- الأمريكي فرضه عليها من شروط وإملاءات في الفترة الأخيرة.
من الواضح تماماً أنَّ الولايات المتحدة تريد إعطاء الحق لنفسها في فرض سعر نفط إحدى أهم الدول المنتجة، أي جمهورية روسيا الاتحادية، لأنَّ لها رأياً مختلفاً في الصراع الساخن الجاري في أوكرانيا، ومواصلة فرض العقوبات الجائرة على روسيا لابتزازها وحملها على القبول، بل “الرضوخ” لشروطها في إنهاء ذلك الصراع. ومع أنَّ المبررات والذرائع هنا تنحصر في معاقبة روسيا، لكن خطوة مثل هذه سيكون لها الكثير من العواقب والتبعات، علماً أن دول مجموعة السبع وأستراليا اتفقت قبل بضعة أيام على فرض حدّ أقصى لسعر برميل النفط الخام الروسي المنقول بحراً عند ستين دولاراً للبرميل، في خطوة تهدف إلى الحدّ من إيرادات روسيا إلى الأسواق العالمية، لكن كان الردّ الروسي متوقعاً، حيث قالت إنها لن تبيع نفطها بموجب هذا السقف الذي تمّ تحديده.
وفي هذا الشأن، أفاد العديد من الخبراء الاستراتيجيين والمحللين ووزراء “أوبك” بأن سقف الأسعار يثير القلق والارتباك، وربما يكون غير عملي أو فعَّال، لأن روسيا تبيع معظم ما تنتجه من نفط لدول رفضت إدانة الحرب في أوكرانيا، مثل الهند والصين، ما يعني أن القرار أظهر مجدداً حجم الاختلافات والتناقضات وعمقها في المعسكر الغربي.
من جانبها، لم تقلّل الحكومة الروسية من خطورة القرار، كونه يندرج في إطار تصعيد غربي أوروبي- أمريكي ضدها، ولأنَّ لكلّ فعل ردّة فعل مساوية لها في القوة ومعاكسة لها في الاتجاه، فإنها أكّدت أنها ستواصل البحث عن مشترين جدد آخرين لنفطها، وهذا ما سينجمُ عنه تأثيرات سلبية عكسية في أوروبا على وجه التحديد. وحسب خبراء ومتخصّصين بشؤون النفط، فإن القرار الأوروبي غير الصائب قد يعطي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العذر الكافي كي يقوم بوقف عمليات بيع النفط الروسي للقارة الأوروبية العجوز، وفي حال حدث ذلك ستكون العواقب صعبة ومؤلمة وسينقلب السحر على الساحر لأنَّ فعلته تجاوزت الحدود.
يُذكر أنَّ مجموعة “أوبك+” اتفقت على التمسّك بأهدافها المتعلقة بإنتاج النفط في الاجتماعات الماضية، في حين تسعى أسواق النفط العالمية لتقييم تأثر العرض والطلب بتباطؤ الاقتصاد الصيني على طلب النفط والغاز، وتداعيات قرار مجموعة السبع التي دعت إلى وضع سقف سعري للنفط الذي تنتجه روسيا، والمعروف بـ”النفط السعري”، حيث توصل الوزراء الرئيسيون في المنظمة إلى أنّ القرار هو التمديد حتى نهاية 2022، مع أنَّ “أوبك+” اجتمعت عن بعد من دون إشراك روسيا والدول الحليفة لها، ولم تناقش أي بند أو أي نقطة تخصّ “النفط السعري” للنفط الروسي!.