كيميائي “داعش”
طلال ياسر الزعبي
في كتابها “خيارات صعبة”، اعترفت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون أن “داعش” صناعة أمريكية، وكتبت أن الإدارة الأمريكية قامت بتأسيس ما يسمّى تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، لتقسيم منطقة الشرق الأوسط.
وأيّاً يكن مستوى صحّة هذا الكلام، فإن الإدارة الأمريكية أثبتت في غير مناسبة أنها هي بالفعل من أسّس هذا التنظيم وساعده على احتلال مساحاتٍ واسعة في كل من سورية والعراق، حيث أمّنت له التغطية الجوية أثناء احتلال المناطق، كما دعمته لوجستياً وإعلامياً، ومنحته فضاءً إلكترونياً واسعاً ينشر من خلاله أشرطة الفيديو التي أريد منها على وجه الحقيقة صناعة نوع من الخوف والرعب في نفوس سكان المنطقة، تمهيداً لإعلان اعتراف دولي بهذا التنظيم سعَت كلينتون جاهدة لانتزاعه في محاولة طبعاً لتشويه صورة الإسلام وإعطاء صورة نمطية له تنمّ عن التخلّف والإرهاب والجهل، وغير ذلك من المواصفات التي تحقّق الغاية المنشودة.
ولن نناقش هنا مسألة الدعم المباشر الذي قدّمه التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة لهذا التنظيم أثناء سيطرته على المناطق في كل من سورية والعراق، لأن الشواهد واضحة ومثبتة ولا مجال مطلقاً لإنكارها، ولكننا في المقابل نؤكّد أن واشنطن حتى الآن تمارس نوعاً من الحماية لهذا التنظيم فيما يسمّى سجن الهول الذي يقع تحت سيطرة ميليشيا “قسد” العميلة للمحتل الأمريكي في منطقة الجزيرة السورية، كما تمارس نوعاً من الضغط على الحكومات العراقية المتعاقبة لمنع تنفيذ أحكام الإعدام بحق عناصر “داعش” الموجودين في سجن الحوت في العراق، وأغلبهم من الجنسيات الخليجية، وقد اعترفوا بانضمامهم إلى هذا التنظيم واشتراكهم بتفجير المفخّخات على الأراضي العراقية، والدعم الكبير المقدّم لهم من الجيش الأمريكي.
وما يهمّنا الآن هو ما جاء مؤخراً في تقرير أعدّه خبراء في الأمم المتحدة، من أن تنظيم “داعش” الإرهابي شنّ هجماتٍ باستخدام أسلحة كيميائية في مناطق انتشر فيها بالعراق، بين عامي 2014 و2019.
التقرير أشار إلى جمع أدلّة مستندية ورقمية مستمدّة من شهادات الشهود باستخدام التنظيم للأسلحة الكيميائية في العراق خلال الفترة المذكورة، موضحاً أن هذا التنظيم قام بتصنيع وإنتاج صواريخ وقذائف هاون كيميائية وذخائر كيميائية للقنابل الصاروخية ورؤوس حربية كيميائية، وأجهزة متفجّرة كيميائية يدوية الصنع.
ولا يمكن لعاقل أن يتصوّر أن هذا التنظيم تمكّن من الحصول على جميع المواد المستخدمة الواردة في تقرير الخبراء من الفضاء الخارجي، فالأمر هنا شديد الارتباط بجهات دولية قادرة على تأمينه، حيث اتخذ التنظيم الإرهابي ترتيباتٍ ماليّة ولوجستية وأخرى تتعلّق بالمشتريات والروابط مع عناصر القيادة فيه، وخاصة أن المواد المذكورة في التقرير “فوسفيد الألمنيوم والكلور والسيانيد والنيكوتين والريسين وكبريتات الثاليوم” لا يمكن الحصول عليها دون مشاركة شبكات إقليمية أكبر حجماً في جميع أنحاء الشرق الأوسط ومنطقة الخليج.
والحال، أن الإدارة الأمريكية التي ثبُت أنها أسّست هذا التنظيم ودعمته للسيطرة على كل من العراق وسورية وليبيا، لا يمكن أن تكون بريئة من كل الجرائم التي ارتكبها، وبالتالي فإن واشنطن استخدمت عبر هذا التنظيم السلاح الكيميائي في سورية والعراق، والمفارقة أنها تغطّي على تورّطها باستخدام هذا السلاح في الإقليم باتهام سورية باستخدامه، وترفض أيّ تحقيق مهني في هذا الأمر، وهذا ما يفسّر طبعاً إصرارها على إبقاء ملفّ الكيميائي السوري مفتوحاً.