معرض عز الدين شموط… اكتشفت أنني من الشرق عندما ذهبت إلى الغرب!!
أكسم طلاع
افتُتح هذا الأسبوع معرضُ الفنان التشكيلي السوري عز الدين شموط في “صالة دمشق” التي افتُتحت حديثاً لتضيف إلى قائمة الصالات الخاصة جديدها التشكيلي الذي بدأ من هذا العنوان المخضرم عز الدين شموط، الفنان الدمشقي الحائز على شهادة الدكتوراه من باريس بعد دراسته لفن الحفر والطباعة، وقد شهدت دمشق في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي فورة الفن التشكيلي على مستوى التسويق والتجديد في المنجز الفني لعددٍ من التجارب القادمة من محترفات خارجية، مثل حمود شنتوت وعز الدين شموط اللذين عاشا في باريس ودرسا في البوزار. وكان من اللافت آنذاك ما قدّمه شموط عبر معرضين فرديين، الأول في صالة دمشق العائدة لرزق الله توما الكائنة في الصالحية آنذاك، والمعرض الثاني في صالة نصير شورى في منطقة الروضة، وقد لفت المعرض الانتباه بخصوصيته التقنية، حيث كان مدهشاً في مستوى الخبرة والبراعة الحرفية في تنفيذ لوحة تحمل ميزات الحفر والطباعة، وتتضمن مزاجاً من التصوير الفائق الدقة.
في معرض اليوم يقدّم شموط امتداد تجربته لتلك الفترة الجميلة، ويعرض أعمالاً توجز تجربة تعود لتواريخ تمتد من السبعينيات حتى بداية هذا القرن، كما يتضمن المعرض بعض الأعمال الغرافيكية التقليدية والطباعية التي تحمل طابع التجريب والتأليف البصري ضمن مفهوم فلسفة الحفر الباذخة في تلمّس الأثر الغرافيكي.
يمتلئ هذا الفنان بحكمة خاصة، وقد خطا بعمره بعد الثمانين بعافية الروح الواضحة في طفولته العميقة التي لا زال يحتفظ ببراءتها، وتواضع الإنسان العارف والباحث، وقد قدّم للمكتبة التشكيلية الأبحاث والمؤلفات الأكاديمية، من هذه الكتب: لغة الفن التشكيلي- تعريف بفن الحفر والطباعة- أزمة الفن التشكيلي- نقد الفن التجريدي- علم نفس الفن- المال والفن.
على صعيد اللوحة، نلتقي بصائغ من طراز رفيع، يأخذ بنا نحو العميق من الجمال المحض والمنزّه بعيداً عن أي نزعة أو انفعال أو توتر، يرسم بعاطفة من خزف أبيض رقيق، رسماً محايداً يليق بركن قديم مزخرف بالأساطير وبقصص الأميرات والطيور المزركشة بشواهد ولدت في السماء، هذه العوالم الصافية ولدت في شرق بعيد، وقد وظف الفنان درجات لونية شفيفة اشتقها من الأخضر والأزرق الفيروزي، وحدّدها بخط ذهبي صريح يشي بفخامة في الصياغة والتأني في تنفيذ العمل، هذه الطريقة من التنفيذ الدقيق من أهم سمات الفن الشرقي الذي يغرق في الحرفية والتجويد والتزيين، وقلّما ينجو أحد من سلطة هذه العناصر الأخاذة في اللوحة وقد تتحوّل إلى غاية بحدّ ذاتها.
هناك شواهد كثيرة على خصوصية هذه التقنيات الشرقية في فن الصباغة وطباعة الأقمشة والرسم على الخامات، مثل فن الباتيك المعروف في أندونيسيا والشرق الأقصى، وقد نلحظ مجاوراً لهذه التجارب عند شموط في تلك الخاصية التي تتطلّب العمل عبر مجموعة من الطبقات التي تعزل عن بعضها بماسك شمعي ويتمّ حمل اللون عبر أدوات خاصة تحدث تأثيراً حساساً ومتدرجاً في تفاصيله.
هذا المعرض الاستعادي لأعمال تعود لفترات حياتية توجز سيرة هذا الفنان المخضرم، يعدّ من المعارض النوعية التي تشهدها العاصمة، وربما تحرجُ أولئك المتتبعين لفنون ما يُسمّى بالحداثة والتغريب سعياً وراء سوق ثقافية يتساوى فيها النفيس والقبيح عبر صفحات الميديا الزرقاء.