أزمة المحروقات تشل عمل المؤسسات!
البعث الأسبوعية – غسان فطوم
نقص توريدات المحروقات من مازوت وبنزين أربك عمل المؤسسات الحكومية والخاصة، نظراً لغياب سيارات خدمة الموظفين، والمركبات الخاصة، وما زاد الطين بلة غلاء أجور نقل سيارات “التكسي” وحتى السرافيس الذي يستغل أصحابها حاجة الموظفين والمواطنين بشكل عام للوصول إلى أماكن عملهم أو منازلهم.
هذه الحال مستمرة منذ أكثر من أسبوع وسط غياب الحلول، وبالرغم من الإعلان عن وصول باخرة محملة بالمحروقات إلى ميناء بانياس بحسب ما أعلنت وزارة النفط، لكن يبدو أن الأزمة ستستمر إلى مدى غير محدود، خاصة وأن وزارة النفط ذاتها أن الأزمة عمرها أو مستمرة أكثر من 50 يوماً!.
مناشدات لإيقاف الدوام!
جراء أزمة الوقود ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالمناشدات والدعوات لدوام جزئي، أو منح عطلة ريثما تحل المشكلة، ووصل الأمر ببعض الموظفين إلى الدعوة لإعطاء عطلة للموظفين والعمل من داخل البيوت على غرار ما حدث أثناء تفشي وباء كورونا منذ عامين.
واقترح عدد كبير منهم بمداورة العطلة بين مؤسسات الدولة، وآخرون طالبوا بالاكتفاء بدوام يومين أو ثلاثة في الأسبوع بغية توفير الوقود والكهرباء، في حين رأى أستاذ جامعي أن تخفيض نسبة الدوام هو أفضل الخيارات، فطالما نحن في وضع غير طبيعي، فإننا نحتاج لقرارات سريعة ومدروسة تناسب هذا الوضع، بحسب قوله، موضحاً أن الحل الأفضل يكون بأن تُعطل بعض الجهات التي أعمالها غير ضرورية من أجل توفير المحروقات المخصصة لها لصالح جهات أخرى أكثر حاجة، كالمعامل والمطاحن والمرافق العامة من المشافي والجامعات والمدارس التي تتحضر للامتحانات النصفية.
دوام طوعي
وبرأي خبير اقتصادي أن الوقت الآن هو الأنسب للمبادرات التطوعية والتشاركية مع الحكومة، كأن تقوم الحكومة بتخصيص ما هو متاح من محروقات لوسائط النقل العام ونقل العاملين حصراً في هذه المرحلة، وأن يتم تقسيم الدوام بين الموظفين في القطاعات الأساسية طوعياً، بحيث يتم مراعاة مكان السكن، فيكون الأقرب سكناً أكثر دواماً، مع تعويضه لاحقاً بما يليق كإجازات أو مكافآت حسب ما تتيحه الأنظمة والقوانين، وفيما يخص الآثار الجانبية على العملية التعليمية في المدارس والجامعات، وبرأي الخبير الاقتصادي لا مشكلة بالمرحلة قبل الجامعية لأنها أساساً تراعي التوزع السكاني، أما التعليم الجامعي فالمعاناة محصورة بمن يقطنون الأرياف ومن الممكن في هذه المرحلة محاولة استيعاب البعض في المدن الجامعية استثناءً وكذلك تشارك الطلاب في السكن المستأجر كمبادرات ريثما تنفرج الأزمة.
عودة لكورونا!
واقترح البعض أن تكون فترة العطلة لمدة أسبوع أو أسبوعين كتجربة بنظام دوام مشابه للذي تم تطبيقه خلال انتشار وباء كورونا (حجر صحي) ومن ثم دراسة أثارالتجربة ونتائجها إيجاباً وسلباً ( مع الأخذ بعين الاعتبار وضع المؤسسات خدمية كانت أو إنتاجية ) ووضع استراتيجيات مناسبة للدوام مبنية على النتائج.
الحل الأنسب
أحد الزملاء الصحفيين يرى أن الأنسب حسب الواقع الذين عشناه سابقا أثناء الحجر، هو زيادة أيام العطلة الأسبوعية لتصبح ثلاثة أيام أو أربعة و “بهذه الحالة أغلب وسائط النقل لا تعمل و نكون قد حققنا وفر بمادة المحروقات من آليات و مولدات كهربائية أما المشاريع الإنتاجية و المعامل فهي تعمل وفق أنظمتها الخاصة و تبقى حركة الإنتاج مستمرة”.
موظفون آخرون اقترحوا أن يكون الدوام يوماً بيوم مع تقليص عدد الموظفين غير المنتجين قدر المستطاع، فيما اقتراح آخرون الاعتماد على وردية صباحية دون المسائية ما أمكن لحين توفر الوقود بشكل يسمع بالعودة تدريجياً إلى ما كانت إليه الحال، خاصة وان هناك مؤسسات إن توقف فيها العمل كلياً لا ينعكس سلباً على عجلة الإنتاج.
ما سبق من آراء هي سيناريوهات قابلة للنقاش، فبعضها فيه أفكار ومقترحات ممكنة نأمل أن تلقى الاهتمام لنصل إلى مخرج مقبول وفق الإمكانيات المتاحة بعيداً عن الوعود والتصريحات والتفسيرات التي تزيد وتعّقد الأزمة.
على العموم تعود المواطن على مثل هذه الأزمات المتلاحقة، ولكنها هذه المرة تأتي في ظل ظرف داخلي ناتج عن استمرار العقوبات الاقتصادية على سورية، وما زاد الأمر سوءاً استمرار الحرب في أوكرانيا التي أثرت على العالم كله الذي بدأ يشهد أزمات طاقة ووقود وغيرها، لكن الأشد إيلاماً عندنا أن نرى المحروقات من مازوت وبنزين وغاز تباع في السوق السوداء بأسعار خيالية “على عينك يا تاجر”، حيث وصل سعر لتر المازوت لـ 8000 ليرة، والبنزين بـ 10000، وأسطوانة الغاز بحوالي الـ 200 ألف!، بينما الأجر المقطوع لأكبر موظف في الدولة لا يتجاوز 160 الف!!، فكيف يستوي هذا مع ذاك؟.
لقد حان الوقت لأن نخرج من عباءة الحلول والآليات التقليدية المملة في التعامل مع مشاكلنا وقضايانا العالقة، فدروس الحرب كثيرة ومن المفروض أن نكون قد تعلمنا منها جيداً، فغير مقبول اليوم أن تبقى الرؤية معدومة والحلول غائبة على المدى القريب والبعيد وخاصة في الأزمات المعيشية والخدمية التي لا تحتمل التأجيل!.
نحتاج العمل بعقلية وذهنية وثقافة جديدة تبتكر الحلول العملية لأزمات ومشكلات باتت مزمنة، ولم يعد مقبولاً تكرارها، مع التركيز على استمرار فتح ملفات الفساد ومحاربته بالضرب بيد من حديد.