المدّ اليمينيّ نحو موجةٍ ثالثة للنازيّة
تقرير إخباري:
بعد تحذيراتٍ متكرّرة من الغوص في سيناريوهاتٍ أكثر صعوبةً وخطورة في جميع أرجاء أوروبا نتيجة سوء الأوضاع المعيشية إبان العديد من الخضّات، وخاصةً في خضم أزمتي كورونا والحرب الأوكرانية، والاستياء الشعبي المندّد بالأداء الحكومي الأوروبي تجاههما، الذي تفجّر مؤخراً على شكل احتجاجاتٍ عمالية ومظاهراتٍ غاضبة، فإننا نشهد الآن تجسيداً للمدّ اليمينيّ على كامل أرض أوروبا والتقاءً لليمين المتطرّف مع الفكر النازي في أوروبا، وصولاً إلى بدء تشكّل الموجة الثالثة لـ”النازية” الألمانية.
إنّ ما يجري الآن في ألمانيا من اعتقالاتٍ وإعلان للسلطات عن إحباط ما سمّته “محاولة انقلاب” على الدولة والسيطرة على البرلمان، خير دليلٍ على نضوج هذه الموجة، في ظروفٍ مواتية ومشابهة لما رافق الموجتين الأولى والثانية من مشكلات اللجوء وسوء الظروف المعيشية التي عانت منها ألمانيا سابقاً.
ومن المتوقّع أن تتّحد جماعات اليمين المتطرّف والنازية، وهي موجودة بالإضافة إلى ألمانيا، في إيطاليا واليونان وفرنسا وبولندا والمجر وأوكرانيا، وأهم الأفكار التي تجمعهم الإيمان بالعنف كوسيلة للوصول إلى السلطة، ورفض الاتحاد الأوروبي والعودة إلى الدولة القومية، ورفض الهجرة واللاجئين، ورفض الليبرالية الجديدة والتبعية لأمريكا وكل ما تنادي به أحزاب اليسار.
ربما سيُحقّق هؤلاء ترميم الواقع الأوروبي، أو ربما سيُسرّعون في تحطيمه، وخاصةً أنهم لا يعترفون بالقوانين الحالية ومؤسسات الدولة، كما أنّ الفجوة تزداد بين النخب والشعوب رغم التحذيرات، وخاصةً مع أزمات الطاقة، حيث يعاني الآن على سبيل المثال 25% من الألمان من نقص التدفئة، في حين يثري البعض الآخر من تلك الأزمات، وهذا المثال يمكن تعميمه مع نسب أكثر خطورة على أوروبا.
وفي خضمّ كل ما يجري نلحظ إقحاماً ممنهجاً لروسيا فيما جرى بألمانيا على وجه الخصوص، وفي تصاعد اليمين عموماً، إذ سارعت السلطات الألمانية إلى القول: إنّ هناك محاولات تواصل بين الجماعة “الانقلابية” والسلطات الروسية، مؤكدةً في الوقت نفسه عدم امتلاكها الدليل على تجاوب الروس مع تلك الجماعة، في حين سارعت موسكو إلى نفي وجود تواصل لهم مع أيّ جماعة خارجة على القانون في ألمانيا، معتبرين أن العملية الأمنية شأن داخلي ألماني بحت.
وهذا التجنّي يؤكّد الاتجاه الغربي والألماني إلى خلق “عدوّ” يتمثل بالروس، بشكل يحمِل الكثير من التناقضات والمعايير المزدوجة، فهم في الوقت نفسه يقدّمون كل الدعم لجماعات تجاهر بنازيتها في أوكرانيا، وتنفيذها عمليات إرهاب وقتل ضدّ المواطنين الآمنين في إقليم دونباس حتى الآن.
إنّ ما حدث في ألمانيا يوم الأربعاء ليس مسألةً عابرة، بل إنه يوحي بوجود خطوات مدروسة ومراحل تنفيذية تطمح للاستيلاء على السلطة بالاستفادة من تمدّد اليمين المتطرّف، واللافت غياب الخبر وتحليلاته عن افتتاحيات الصحافة الألمانية في صباح اليوم التالي، وكأن السلطات تحاول تجاهل الحدث والهروب من الواقع.
ممّا تقدم نخلص إلى القول: إنّ ما يجري اليوم هو مقدّمة لسيناريو سيتوسّع في القارة العجوز، فالبنية الأيديولوجية لليمين المتطرّف والنازية موجودة وآخذة في النمو بشكل مطّرد مع زيادة ظروف المواطن سوءاً، والحكومات الأوروبية ما زالت تُصِمّ الآذان عن أزمات الطاقة وسوء المعيشة، بل تغدق الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا بمليارات الدولارات، وتجنح نحو فرض المزيد من العقوبات على روسيا التي تنعكس بشكل سلبي مباشرةً على المواطن الأوروبي، في وقتٍ تمّ فيه إضعاف اليسار وإفراغه من محتواه بشكل تام.
بشار محي الدين المحمد