قفزة في المجهول!
علي اليوسف
لم يكن في حسبان من فرض سقفاً على سعر النفط الروسي أنه أول من سيعاني من هذا السقف، وهاهي هنغاريا تعلن صراحةً أن ما كانت تخشاه قد حصل بالفعل، حيث ألغت القيود المفروضة على سعر البنزين، بسبب نقص الوقود على خلفية العقوبات الأوروبية على إمدادات النفط الروسية.
هذا السقف الذي تحدّد قبل أيام، لن تكون هنغاريا أول ضحاياه، لأن العقوبات النفطية التي فرضها الاتحاد الأوروبي، وأصبحت سارية المفعول، ستشعر كامل أوروبا بارتداداتها، وخاصةً عندما تعجز الدول الأوروبية، كما هنغاريا، عن تزويد اقتصاداتها بالوقود الكافي بسبب العقوبات الأوروبية. وبالتالي سيكون من أهم التبعات على مثل هكذا قرار هو عدم مقدرة الدول الأوروبية في الحفاظ على أسعار ثابتة للوقود، ما سيدفعهم إلى إلغاء الدعم على سعر الوقود المخصّص للسكان.
وهذا يعني أن بروكسل على موعد مع هزات اجتماعية وسياسية واقتصادية، لأن تحديد سقف سعر النفط الروسي المنقول بحراً سيضرّ بالاقتصاد الأوروبي في المقام الأول أكثر من الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني من التضخم بفعل أزماته الداخلية. وليس هذا فحسب، بل سيؤدي فرض الاتحاد الأوروبي سقفاً لأسعار النفط الروسي إلى شح الخام، وارتفاع حاد بأسعار النفط، خاصةً وأن روسيا حذّرت من أنها لن تبيع النفط بأقل من سعره.
لقد وضع الغرب، منذ بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، هدفاً يتمثل في تقليص عائدات موسكو من النفط والغاز، لكن لم يلحظوا في تغولهم أنه في حال عدم وصول النفط الروسي إلى الأسواق، سترتفع أسعار النفط العالمية بشكل حاد، مما يضرّ بالمستهلكين الغربيين بالدرجة الأولى، ويفاقم مشاكلهم.
وأمام هذا الهدف، من الطبيعي جداً أن تكون روسيا قد تجهزت لإجراءات الردّ، ليس أقلها أن روسيا -أكبر مصدّر للنفط في العالم- سيكون من السهل لها إيجاد أطراف أخرى تشتري نفطها بسعر السوق، ولعل هذه “القفزة في المجهول” ستعود بفائدة مباشرة على الدول النامية والناشئة التي ستتمكن من الحصول على النفط الروسي بكلفة أقل، إذ لا بديل عن النفط الروسي في السوق العالمية، ولا يمكن لمنظمة “أوبك” تعويض حصة موسكو، وعليه من الصعب بمكان استثناء النفط الروسي من السوق.
إن الاتحاد الأوروبي عبر قراره، سبّب لنفسه أزمة في مجال الطاقة، وأن القرار سيصبّ في مصلحة الولايات المتحدة، وهو ما قد توضحه أيام الشتاء القادمة.