“البريكس” تكسر هيمنة الغرب
عناية ناصر
وفقاً لعدد كبير من المحللين في مختلف البلدان حول العالم، فإن النظام العالمي الليبرالي الذي تأسّس بعد نهاية الحرب الباردة لمصلحة الولايات المتحدة قد بدأ بالانهيار، وبالتأكيد محكوم عليه بالفشل.
مؤخراً، نشرت مجلة “ذي ايكونوميست” غلافها التنبؤي الشهير للعام المقبل، بعنوان “العالم في عام 2023″، والذي يُظهر أهم الأشخاص الذين سيحددون مصير العالم في عام 2023، لكن لم تكن صور السياسيين بالحجم نفسه، الأمر الذي يعكس نصيبهم المختلف في السياسة العالمية. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن صورتي الرئيسين الروسي والصيني كانتا الأكبر. علاوة على ذلك، فإن تواجد بوتين في الوسط ورؤساء الدول الآخرون في دائرة من حوله يرمز بوضوح إلى أن روسيا لا تزال في قلب السياسة العالمية، وستواصل لعب دور حاسم في الشؤون العالمية. وكما قال ضابط المخابرات الأمريكية السابق سكوت ريتر في مقابلة مع”judging freedom”: “الولايات المتحدة مصابة بمرض الغطرسة، حيث جعلت رغبة واشنطن في إملاء شروطها على الدول الأخرى متعبة”. وأشارت صحيفة “ذا هيل” إلى أن القواعد والمعايير التي وضعتها واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية لم تعد تحكم الكوكب كما فعلت من قبل، حيث تم انتهاك الصكوك والأدوات التي تحظر العدوان على الدول الأخرى. حتى المؤسسات التي تحكم الاقتصاد العالمي تتأرجح، وتنهار تحت وطأة الأزمات المالية المتتالية، كما أن المنظمات الإقليمية التي وصفها الغرب بأنها نماذج للاستقرار، مثل الناتو والاتحاد الأوروبي، تمزقها قوى مركزية غير مسبوقة.
يتم وضع نظام جديد للعلاقات الدولية، وهو نظام يأخذ في الاعتبار، ليس فقط مصالح القوى العظمى الأخرى مثل الصين والهند وروسيا، ولكن أيضاً مصالح الدول التي ترغب في اتباع سياسات مستقلة عن الولايات المتحدة والغرب.
لذلك لم يفاجأ أحد بتصريح وزير الخارجية البرازيلي كارلوس ألبرتو فرانسا على هامش قمة العشرين الأخيرة بأن الدول النامية ومن بينها البرازيل لها الحق في اتخاذ موقف مستقل من كافة قضايا السياسة العالمية. ووفقاً لبعض وسائل الإعلام فإن مجموعة العشرين أصبحت قديمة، وأن دول البريكس تملأ المشهد بثقة، إضافة إلى أن النصيب الأكبر من البضائع في السوق العالمية هو بالفعل خارج هيمنة الغرب.
يبدي عدد متزايد من الدول اهتماماً بدول البريكس، التي تشمل البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، حيث تمثل مجموعة البريكس 41٪ من سكان العالم، و 24٪ من الناتج المحلي الإجمالي، و16٪ من التجارة العالمية. ومن الواضح أن هذا التجمع سيتحول إلى “بريكس بلس” قريباً جداً. ويتضح ذلك بشكل خاص من خلال النوايا المعلنة بالفعل من قبل العديد من الدول مثل الأرجنتين والمكسيك وفنزويلا ونيكاراغوا وإيران وإندونيسيا وكازاخستان ونيجيريا والجزائر ومصر والسنغال وعدد من البلدان الأخرى للانضمام إليها.
في قمة “البريكس” الرابعة عشرة، برئاسة الصين من خلال مؤتمر عبر الفيديو في حزيران الماضي، عُقدت إحدى الفعاليات بصيغة “بريكس بلس”، وحضرها ممثلو 18 دولة، بالإضافة إلى الخمس دول الأولى الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا، وشاركت في الفعاليات الجزائر والأرجنتين وكمبوديا ومصر وإثيوبيا وفيجي وإندونيسيا وإيران وكازاخستان وماليزيا والسنغال وتايلاند وأوزبكستان، حيث أعلن الرئيس عبد المجيد تبون في مطلع آب الماضي اهتمام الجزائر بالانضمام إلى مجموعة “البريكس”، وذلك لأن انضمام البلاد سيساعد في منع الانجرار إلى صراعات ثنائية القطب، كما ستسمح عضوية الجزائر في “البريكس” للبلاد بتطوير السياحة المتبادلة مع روسيا بشكل أفضل، والتجارة في المنتجات الزراعية، وتنفيذ المشاريع في مجال الطاقة النووية ومجالات أخرى.
وبينما يحاول حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا تبني مواقف معادية ضد روسيا، والدفاع عن نظام النازيين الجدد في أوكرانيا، تدعو الدول الأخرى بشكل متزايد إلى مراجعة جذرية للنظام الدولي، في خروج عن العالم أحادي القطب الذي تفرضه واشنطن، وبالتالي يعبرون عن دعمهم لسياسات روسيا.
تريد الكثير من الدول اليوم أن يتم تمثيلها مباشرة على طاولة المفاوضات الدولية، وليس فقط على القائمة، حيث تظهر تطلعاتهم للانضمام إلى مجموعة “البريكس” أنه في مواجهة زيادة غير مسبوقة في المخاطر الجيوسياسية، أصبح العالم يدرك بسرعة الحاجة إلى استبدال بنية النظام العالمي القديمة التي تركز على الولايات المتحدة بتشكيل جديد للعلاقات الدولية، والكتل الإقليمية القائمة على أساس المساواة ومراعاة المصالح المشتركة.
اليوم، بات من الواضح بالفعل في كل مكان أن الأنموذج أحادي القطب للحكم العالمي الذي فرضه الغرب لا يرقى إلى مستوى المهمة، وأن هياكله المالية آخذة في التراجع، وهذه الهياكل في الواقع تخدم فقط مصالح النخب الحاكمة في البلدان الصناعية. وإذا ما أخذ في الاعتبار مواءمة سياسات وإجراءات دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ومنظمة شنغهاي للتعاون مع دول “البريكس”، فيمكن القول إن بالفعل أكثر من نصف سكان العالم، والحصة الأكبر من سلع العالم هي خارج هيمنة الولايات المتحدة والغرب.