دراساتصحيفة البعث

إعلان أخفق العالم في تحقيق أهدافه

د.معن منيف سليمان

يعدّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أول وثيقة من نوعها في تاريخ البشرية، وهو وثيقة حقوق دولية تمثل الإعلان الذي تبنته الأمم المتحدة في العاشر من كانون الأول عام 1948 في قصر شايو في باريس، ويتألف الإعلان من ثلاثين مادة تضمن برأي الأمم المتحدة حقوق الإنسان، والحريات الأساسية للجميع دون تمييز على أساس العرق أو الجنس، أو اللغة، أو الدين.

يشكل الإعلان أحد أهم الوثائق الدولية الرئيسة لحقوق الإنسان التي تم تبينها من قبل الأمم المتحدة، ونالت تلك الوثيقة موقعاً مهمّاً في القانون الدولي، وذلك مع وثيقتي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من عام 1966، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من عام 1966. وتشكل الوثائق الثلاثة معاً ما يسمى “لائحة الحقوق الدولية”.  في عام 1976، بعد أن تمّ التصديق على الوثيقتين من قبل عدد كافٍ من الدول، أخذت لائحة الحقوق الدولية قوة القانون الدولي.

لكن يظل السؤال الأهم هو ما مدى التزام الحكومات، وخاصة الولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى بتطبيق هذه المواد في الواقع العملي؟ في هذا السياق يقول “هاينه بيلفيلد”، مدير المعهد الألماني لحقوق الإنسان، إنه لا تزال “انتهاكات حقوق الإنسان موجودة في العالم كما كان عليه الوضع في السابق، فالعالم لم يصبح أفضل مما كان عليه وكذلك وضع الإنسانية”. ومنذ هجمات الحادي عشر من أيلول عام 2001 في الولايات المتحدة، بدأت الكثير من حقوق الإنسان المعترف بها بالتراجع. فقد أقدمت مثلاً الولايات المتحدة على حرب العراق دون تفويض من مجلس الأمن ورغم إرادة غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

في أوائل عام 2004، تفجرت فضيحة انتهاكات جسدية ونفسية وإساءة جنسية تضمنت تعذيب، واغتصاب وقتل سجناء كانوا في سجن أبو غريب في العراق لتخرج إلى العلن ولتعرف باسم فضيحة التعذيب في سجن أبو غريب، تلك الأفعال قام بها أشخاص من الشرطة العسكرية الأمريكية التابعة لجيش الولايات المتحدة بالإضافة لوكالات سرية أخرى.

ويأتي في هذا السياق معتقل “غوانتانامو” في خليج كوانتانامو، وهو سجن ذو سمعة، بدأت السلطات الأمريكية باستعماله في سنة 2002، وذلك لسجن من تشتبه في كونهم إرهابيين، ويعد السجن سلطة مطلقة لوجوده خارج الحدود الأمريكية، وذلك في أقصى جنوب شرق كوبا، وتبعد 90 ميلاً عن ولاية فلوريدا الأمريكية، ولا ينطبق عليه أي من قوانين حقوق الإنسان إلى الحد الذي جعل منظمة العفو الدولية تقول: “إن معتقل غوانتانامو الأمريكي يمثّل همجية هذا العصر”. ويعد مراقبون إن معتقل “غوانتانامو” تنمحي فيه جميع القيم الإنسانية وتنعدم فيه الأخلاق ويتم معاملة المعتقلين بقساوة شديدة ما أدى إلى احتجاج بعض المنظمات الحقوقية الدولية إلى استنكارها والمطالبة لوضع حدّ لهذه المعاناة وإغلاق المعتقل بشكل تام.

ورغم أن الولايات المتحدة هي أكثر دول العالم صخباً وضجيجاً بالحديث عن حقوق الإنسان وشعاراته، كما أنها الدولة الأكثر استخداماً لورقة حقوق الإنسان في سياستها الخارجية، إلا أنها على صعيد الممارسة الفعلية تعد الدولة الأخطر على مرّ التاريخ التي انتهكت وتنتهك حقوق الإنسان، أما كل هذا الضجيج والصخب الأمريكي حول حقوق الإنسان لم يكن سوى ستاراً، أخفى خلفه نزعة التوسع والسيطرة التي طبعت الإمبراطورية الأمريكية منذ نشأتها وقيامها فوق تلال من جماجم عشرات الملايين من الهنود الحمر، وهكذا فإن حقوق الإنسان كانت هي اللافتة التي اتخذتها الولايات المتحدة ستاراً لارتكاب أبشع ممارسات انتهاكات الإنسان في تاريخ البشرية .

لقد استغلت الدول الكبرى الغربية “إعلان حقوق الإنسان” كوسيلة للسيطرة والابتزاز، وهي ورقة الضغط المفضلة لدى الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وأدواتها من أجل التدخل في الشؤون الداخلية للدول الممانعة للمشاريع الاستعمارية، ومصادرة قرارها الوطني وتحطيم أية محاولة للانعتاق من التبعية بكافة أشكالها وهذا ما يجري لسورية من التدخل في شؤونها الداخلية ومحاولة التأثير على مواقفها الوطنية والقومية الثابتة والمبدئية، ووقف دعمها لحركات المقاومة.

وكذلك شهدت القضية الفلسطينية تواطؤاً دولياً متعمداً حيث عملت “إسرائيل” على التنكيل بالإنسان في فلسطين المحتلة، ومارست التدمير والحصار وسرقة المياه والآثار وتقطيع الأشجار ومصادرة الأراضي تحت مظلة حماية الولايات المتحدة الأمريكية التي ما فتئت تستعمل حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن ضدّ أي قرار يقف إلى جانب الحق، ومازلنا نشهد حتى هذا الوقت ضروباً من الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان في فلسطين والعراق وسورية واليمن وأفغانستان من قبل الدول التي تزعم لنفسها الوصاية على الإنسان وحقوقه.