نائل البرغوثي…!

حسن حميد

ليس صاحب هذا الاسم أستاذاً جامعياً معروفاً له مؤلفات ونظريات وقولات يحفظها طلابه، ولكنه اسم مهمّ لرجل هميم، وليس صاحب هذا الاسم محامياً مشهوراً له صولاته وجولاته في عالم الحقوق والقانون الدولي، والمرافعات الشهيرة، ولكنه اسم مهمّ لرجل هميم، وليس صاحب هذا الاسم ملاكماً واسع الشهرة، ذائع الصيت، عاش طفولته مشرّداً ومظلوماً، ثم التحق بأحد النوادي وتدرّب حتى صار بطلاً على المستوى العالمي، لكنه اسم مهمّ لرجل هميم، وليس صاحب هذا الاسم أديباً روائياً، أو شاعراً شالت به الموهبةُ حتى  شاعت شهرته في العالم  فبات نجماً يتمنّى الناس التعرّف إليه أو التقرّب منه، ولكنه اسم مهمّ لرجل هميم، وليس  صاحب هذا الاسم موسيقاراً أفنى عمره في معرفة أسرار الموسيقى، وفي صوغها ألحاناً خالدات، فصار محبوباً من عشاق الموسيقى  في العالم كلّه، ولكنه اسم مهمّ لرجل هميم، وليس صاحب هذا الاسم طبيباً حاذقاً، يأتيه الخلق ويسألون عنه، ويرجون الشفاء على يديه، أو كيميائياً مخترعاً لأهم الأدوية، ولكنه اسم مهمّ لرجل هميم!

صاحب هذا الاسم – نائل البرغوثي – مواطن فلسطيني، من قرية كوبر الواقعة شمال مدينة رام الله، ثار بوجه المحتل الإسرائيلي مرّات ومرّات، وقتل عدداً من جنوده، وهو لا يزال شاباً لم يبلغ الثانية والعشرين من عمره، وقد استطاعت قوات الجيش الإسرائيلي القبض عليه بعد مواجهة دامية، طرفاها: قوات إسرائيلية كبيرة مدججة بالأسلحة من طرف، ونائل البرغوثي من الطرف الآخر، وحين نفدت ذخيرته، وتحدّد مكانه، بعد أن أصيب اصابات بالغة، ألقت قوّات العدو القبض عليه، أُخذ إلى المعتقل وهو ينزف دماً، وكاد يموت لولا العناية الإلهية.

له اليوم أكثر من 41 سنة داخل سجون العدو التي زارها جميعاً، متنقلاً من سجن إلى آخر، وهو أقدم سجين في العالم، ومحكوم عليه بمؤبدات عدّة، كلّ واحد منها مدته 99 سنة. عاش في زنزانة واحدة ست سنوات، وتغطّى ببطانية واحدة، عاشت معه طوال خمس عشرة سنة، ولديه إبريق شاي في زنزانته عاش معه سبع عشرة سنة، ومعه كأس ماء مرافقة له منذ ثلاث وثلاثين سنة، وقد قضى سنوات سجنه في حوالي ثمانين زنزانة، لم ير الضوء من خلالها في النهار، ولا نور القمر في الليل، عاش طوال سنواته، ولم يعرف المشي في شارع أو طريق أو درب، ولم تقرع يده باباً أو نافذة، لم يذهب إلى جامعة، أو بيت، أو مقهى، أو دار كتب، أو دار فنون، لم ير أحداً من أهله، لأن الإسرائيليين منعوا أهله من زيارته، لتوصيفهم له بأنه خطير، لقد تمنّى رؤيتهم، تمنّى رؤية أمّه كي يبوس يدها ورأسها، لكنها ماتت وهو في السجن، وتمنّى رؤية والده ليعتذر له بأنه ما عاد يعرف لون عينيه أو شكل أنفه، أو إن كان بشاربين أم لا،  ولكنه مات وهو في السجن. عمّه مات، وخاله مات، وهو في السجن، ولم ير أحداً منهم!

نائل البرغوثي، لم يتناول طوال إحدى وأربعين سنة الطعام مع جماعة، ولم يزر مدينة أو قرية، ولم يحمل طفلاً، أو وردة، أبواب زنازينه الحديدية صدئت، وتلفت، فغيّروا مرّات، وهو لم يزل ثابتاً يردد: بلادي، بلادي!

نائل البرغوثي له إحدى وأربعون سنة داخل زنازين العدو الإسرائيلي، ولم يقل آخاً واحدة، رغم التعذيب والقهر والعزل والحرمان، لإنه يعيش من أجل فجر فلسطيني ينتظره، ليقول له:

مرحباً بك.. صباح الخير!

Hasanhamid55@yahoo.com