واشنطن تحوّل إفريقيا ساحةً للصراع مع روسيا والصين
تقرير إخباري:
سارعت الإدارة الأمريكية، على خلفية تراجع نفوذها برفقةَ دولِ الاستعمار القديم في القارة الإفريقية، إلى محاولة تقديم رشوةٍ جاءت على شكل مساعداتٍ ماليةٍ للقارة، خلال قمّة تعقدها مع الاتحاد الإفريقي في واشنطن.
ويعود القلق الأمريكي من خسارة إفريقيا، إلى العلاقات التي تتعزّز بين دول القارة وكل من روسيا الاتحادية والصين الشعبية، بالإضافة إلى سقوط الأنظمة الموالية للغرب في إفريقيا ووصول قادة يرغبون في التخلص من التبعية للاستعمار القديم ممثلاً بفرنسا التي فقدت نفوذها في عدة دول إفريقية وتم إغلاق قواعدها العسكرية وطرد جنودها منها، بعد اكتشاف كذب مزاعمها بأن تدخلها كان لمحاربة الإرهاب، وتبيّن أن جنودها كانوا على العكس من ذلك يساندون ويدعمون المجموعات الإرهابية في تلك الدول.
وبالعودة إلى الاستدارة الأمريكية إلى إفريقيا بعد عقود من إهمال التحدّيات الكبيرة التي تواجهها دول تلك القارة من حروب وأزماتٍ مستمرة وفقر وجوع وأوبئة، قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، قبل انطلاق القمة الأميركية الإفريقية: إنّ بلاده سوف تتعهّد بدعم إفريقيا بمبلغ قيمته 55 مليار دولار خلال الثلاث سنوات المقبلة.
وجاءت القمة الإفريقية أيضاً، بعد أن أطلقت واشنطن ما سمّته إعادة صياغة شاملة لسياستها في إفريقيا جنوبي الصحراء، وتهدف حسب زعمها، إلى “مواجهة الوجود الروسي والوجود الصيني، وتطوير أساليب غير عسكرية ضد الإرهاب”.
في المقابل، لم تُغفل كلّ من روسيا والصين المحاولات الأمريكية لتحويل القارة الإفريقية إلى ساحة صراع مفتوحة مع البلدين، وخصوصاً بعد القمّة الروسية الإفريقية التي عُقدت في سوتشي عام 2019 والتحضير لعقد قمة أخرى، وجولة وزير الخارجية الروسي الإفريقية وتأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في وقتٍ سابقٍ، أن “التعاون مع الدول الإفريقية استراتيجي وطويل الأجل، وتنمية العلاقات مع دول القارة ومنظماتها الإقليمية هي إحدى أولويات السياسة الخارجية الروسية”.
وردّاً على قمّة واشنطن، أكدّ سفير المهام الخاصة بوزارة الخارجية الروسية، رئيس الأمانة العامة لمنتدى الشراكة الروسية الإفريقية أوليغ أوزيروف، نهاية الشهر الماضي، أنّ “الولايات المتحدة تحاول التنافس مع روسيا في عقد قمم بمشاركة زعماء إفريقيا”.
من جانبها، علّقت الصين على القمّة الأمريكية الإفريقية، معتبرةً أنها موجّهة بشكل أساسي ضدها، في مسعى واضح من واشنطن لاستقطاب دول القارة السمراء، وقال وانج ون بين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية: إن سياسة الولايات المتحدة تجاه إفريقيا تخدم مصالحها الذاتية، وتهدف إلى إجبار الدول الإفريقية على اختيار مواقفها حول قضايا الأمن العالمي والوضع الدولي والتنافس بين القوى الكبيرة، مشيراً إلى أنّ بلاده ترفض بقوة تحويل إفريقيا إلى مسرح صراع للدول الكبرى.
وتأتي أيضاً المراجعة الأمريكية لسياساتها في إفريقيا بعد انطلاق العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، ورفض معظم الدول الإفريقية اتخاذ موقف عدائي من روسيا الاتحادية ورفضهم إدانة العملية الخاصة في أوكرانيا بناءً على أوامر صدرت من واشنطن.
في المحصلة، وبعد عقود من النفوذ الأمريكي والسيطرة الاستعمارية للدول الغربية في القارة الإفريقية، وانعدام حالة الاستقرار والأمن والازدهار في القارة نتيجة تلك السيطرة والتدخلات في شؤونها الداخلية، واستمرار النزاعات الدائرة داخل دولها ومع جيرانهم منذ زمن بعيد، برزت حاجة الدول الإفريقية الملحّة للالتجاء إلى كل من روسيا والصين لمساعدتهم في مسعاهم لتحقيق الاستقرار والقضاء على الإرهاب، ولكن تعترض هذا المسعى مشكلة أساسية أن واشنطن ستحوّل بلدانهم إلى ساحةٍ للصراع الدولي، فهل تنجح في مسعاها أم أن النظام الدولي الآخذ بالتبدّل والتخلص من نظام القطبية الأوحد ستكون له الكلمة الفصل، وستخرج واشنطن من إفريقيا على أعقابها كما حدث سابقاً مع حليفتها فرنسا وغيرها من دول الاستعمار القديم.
إبراهيم ياسين مرهج