العلاقة بين الروائي والسيناريست
البعث الأسبوعية- سلوى عباس
تتطلب الكتابة بوجه عام الخيال الواسع، والغوص في أعماق النفس البشرية، والتطرق لموضوعات تجذب القارئ وتحقق له المتعة والفائدة. وإشكالية علاقة السينما والفنون الدرامية بالأدب قديمة، حيث تشكلت تلك العلاقة بصور مختلفة مع مرور الزمن، وهي في حقيقتها علاقة تناظر إشكالية العلاقة بين الأجناس الأدبية والفنية الأخرى مع بعضها، ويجدر بنا إبراز مدى علائقية الفنون فيما بينها وخدمة كل فن للآخر كإمكانية توظيف ظاهرة الاقتباس من الرواية إلى السينما أو التـرجمة، أو حتـى توظيـف واستعـارة بعض التقنيـات الخـاصـة بأي لـون أدبـي لنـجاح الإبداع الفني في لون آخر، مثل تقنية الإضاءة التي تـم استعـارتها من السينـما لتوظـف في العرض المسرحي لاستكمال تحقيق الفرجة، واعتماد الحوار كمقوم مسرحي في السينما لدعم الفهم والمعنى الذي تحققه العناصر البصـرية، وتكـامل بيـن الفـنـون وتعاون لنجاح أي مشروع فني.
ويرى روائيون ونقاد أن نجاح تحويل الأعمال الروائية إلى الدراما التلفزيونية، أو فنون أدائية أخرى، يتوقف على وعي وإدراك كاتب السيناريو، أو المعدِّ، في عملية تحويل النص المقروء إلى مرئي أو مسموع، بحرفية وأمانة وصدق، ليكون قادراً على ردم الهوة بين العمل الروائي والدرامي ولا يُنكر أصحاب روايات تحولت إلى الشاشة الصغيرة أهمية ذلك في الترويج للنص وللمبدع في الوقت نفسه، خصوصاً مع ارتقاء وعي طاقم العمل الدرامي إلى مستوى النص الأدبي.
وهناك اختلاف بين الروائي والسيناريست حيث أن الأول يتعامل مع مشاعر وأحاسيس في حين أن الأخير يتعامل مع مشاهد، إذ يصف الصورة السينمائية بكل تفاصيلها الدقيقة وما تتطلبه من مفردات (حوار، موسيقى، انفعالات وغيرها)، أما السيناريست فيعتمد مُخرَجَه النهائي على التصور البصري والصوتي، ومن الخطأ الخلط بينهما وتناسي القواعد التي تنظم كل فن، والمشترك الأساس بين المنتَج الأدبي والسينمائي يكمن في البنيات الشخصية للعمل والمكان والتخييل عموماً، لكن لهما اختلافات جوهرية تتعلق بالرؤية التي تبنى عليها كل التغيرات الافتراضية، فالصورة تختلف عن الكلمة بوظيفتها والكلمة تختلف عن الصورة بدلالاتها، لكن قوة السينما هي أنها تجعل كل شيء قريباً وممكناً، بل وتحقق جماهيرية للنص الأدبي، والانتقال من الكتابة إلى السينما لا يلغي قيمة الرواية، بل يرسخ استمرارها وديمومتها فالنصوص الروائية التي اشتغلت على موضوعات إنسانية واسعة، مستمرة مع الإنسان منذ بدء الخليقة، كالحب، والكراهية، والخوف، والخيانة، والحروب والسلام وغيرها من قيم رافقت الإنسان، وبالمقابل غالباً ما يحضر السؤال حول الإضافة على الرواية كنوع أدبي حين تتحول إلى فيلم وكم يحذف منها؟ لتأتي الإجابات متفاوتة منها ما رجح الإضافة إلى النص، ومنها ما رجح الحذف والخسارة الفنية، فالرواية كنصّ تتيح المجال للقارئ كي يتخيل الصورة ويجسدها تبعاً لما يريد، لكن السينما تحد من هذا الخيال، وإن ما يضيفه السيناريست إلى الروائي قد يكون استكمالاً أو بمثابة استدراك لما قدّمه الروائي.
وبمعزل عن السجال حول ما تخسره الرواية أو ما تكسبه من السينما، فإن التعايش والتفاعل بين الرواية والسينما أصبحا ضروريين، لأن أحدهما بحاجة إلى الآخر ويكمّله، فعلى السينما أن تستفيد من الرواية التي سبقتها وفتحت عوالم وتجارب إنسانية عميقة، مما سيساعدها على التحرر من شرطها التجاري، كما أن السينما بدورها استطاعت أن تقدم خدمات مهمة لكثير من الأعمال الروائية وقدمتها لجمهور أوسع لا يمكن أبداً أن يقرأها، كما قدمت السينما تقنيات جديدة ساعدت الرواية على تجديد أسلوبها، مما جعلها تساير العالم السينمائي الذي يعتمد على الفرجة المشهدية والإبهار .