مجلة البعث الأسبوعية

خطوات واضحة المعالم قدمها المونديال لمن يبحث عن التطور في مختلف المفاصل الكروية…مقعد مضمون لمنتخبنا في كأس العالم بشروط ليست مستحيلة!

البعث الأسبوعية- ناصر النجار

قاربت مباريات كأس العالم على النهاية بعد أن استمرت مبارياتها قرابة الشهر وها هي تستعد لتتويج بطلها بين اثنين وثلاثين منتخبناً تنافسوا في ملاعبها واجتهدوا ومتّعوا واستمتعوا وطرزوا أجمل الفنون الكروية على مرأى من مئات الملايين من المشاهدين حول العالم.

هذه الفرق منها من نجح بدخول الأدوار المتقدمة ومنها من غادر مبكراً والرياضة بالمحصلة فوز وخسارة وهي ثقافة يؤمن بها كل المشاركين في هذه البطولة العالمية فلم نشهد أي خرق للقانون ولم يحدث ما يعكر صفو اللعب النظيف وبالتالي خرج الجميع من البطولة كل راض بما حققه من وجود وأداء ونتائج.

ومثل كل مونديال غابت كرتنا عن الوجود في هذا العرس العالمي واقتصر وجودها على شخص واحد (مسؤول الأمن والسلامة في الملاعب) مازن دقوري الذي شغل في وقت سابق منصب الأمين العام لاتحاد كرة القدم.

البطولة العالمية هذه مملوءة بالاختصاصات وللأسف غبنا عنها كلها فلم يكن لدينا أي كادر بين المنظمين أو المراقبين أو في اللجان العليا وما أكثرها، وكذلك في العملية التحكيمية فلم يمثلنا أي حكم رئيسي أو حكم خط أو حكم رابع أو حكم فيديو أو مراقب للحكام.

وهذا يدل على المستوى المتواضع الذي وصلت إليه كرتنا التي لم تخفق فنياً فقط بل أخفقت بكل الاختصاصات الإدارية والتنظيمية والتحكيمية.

وإذا كانت كرتنا غائبة عن المونديال فمن الضروري ألا تغيب عن دروسها، وعلينا دراسة كل ما يحدث وحدث في البطولة لنعيد ترتيب أولويات كرتنا حتى تتمكن من النهوض من الموقع الذي تعيش فيه.

في البداية يجب التفكير في الآلية التي تحكم عمل كرة القدم وفي الثقافة التي يتمتع بها القائمون على العمل، فكلما كان العاملون بكرة القدم مشبعين بالثقافة الكروية الصحيحة بنهجها الاحترافي كانت النتائج جيدة على كل الصعد سواء كانت إدارية أم تنظيمية أم تحكيمية أم فنية، وهذه العقلية المتطورة يجب أن تدعمها القوانين المساعدة والإمكانيات المالية والمستلزمات وغيرها لتتمكن هذه العقلية الاحترافية من النجاح في عملية صناعة كرة القدم وفق النهج العالمي.

الدوري القوي

كل المنتخبات التي شاهدناها كبيرها وصغيرها تمتلك دورياً قوياً محترفاً منظماً، هذه الدوريات أنتجت لاعبين على مستوى عال، وهذا الكلام ينطبق على كل المشاركين بنسخة مونديال قطر، بل أكثر من ذلك وجدنا أن هذه الدوريات في القارتين السمراء والصفراء تصدر لاعبين إلى الدوريات الكبيرة العالمية فأغلب لاعبي المنتخبين التونسي والمغربي والسنغالي يلعبون في أوروبا، ولو أن النادي الذي تخرجوا منه لم يولهم العناية الكاملة، والدوري الذي لعبوا له لم يظهر حقيقة فنهم وإبداعهم ما شاهدناهم يلعبون في أندية انكليزية واسبانية وايطالية وفرنسية وغيرها، فالنادي الذي يمتهن كرة القدم كمنظومة احترافية كاملة، والدوري الذي تضبطه القوانين والأنظمة لا بد أن يخلق مجموعة من اللاعبين يشكلون منتخباً قادراً على المنافسة والمقارعة ولو لم يصل إلى الأدوار الكبيرة، إلا أنهم بصموا في هذه البطولة في أدوارها الأولى والثانية.

لذلك فإن الدرس المهم الذي يجب أن تتعلمه كرتنا هو العناية بكرة القدم في النادي والاهتمام بالدوري وجعله مقدساً قولاً وفعلاً والدفاع عن قدسيته لا أن يكون مكاناً للعبث واللهو لمن يملك النفوذ والمال، فحتى الآن لم نستطع تنفيذ إلا ست مراحل من الدوري الكروي الممتاز، فالدوري اعتراه الكثير من التوقفات منها ما هو مبرر ومنها ما هو غير ذلك، لذلك لا بد من البحث في جودة العمل الإداري قبل الحديث عن التأهل إلى المونديال.

الصناعة الكروية

على صعيد الأندية فإن كلمة السر موجودة بمنصب مدير الكرة في النادي وهو محرك كل شيء وصانع النجاح ومسؤول عن الفشل، فكل الترتيبات بكرة القدم متعلقة به ونجاحها متعلقة بمدى ثقافته وبرنامج عمله.

من مهام المدير مثلاً اختيار الكادر الفني والإداري وبقية الاختصاصات بالفريق وهو مسؤول عن خياراته، ومن مهامه المساعدة في انتقاء اللاعبين الذين يختارهم الطاقم الفني، وهم من يقيم عمل الجميع فنياً وإدارياً وانضباطياً، لذلك هذا المدير يعادل بمفهوم عمله لجان التفتيش والمراقبة فلا يمكن أن تمر هفوة دون محاسبة أو مساءلة، وهذا الأمر من أهم مقومات النجاح لأنه لا يمكن أن يمر لاعب إلى النادي ليس له لزوم، أو يحمل إصابة مزمنة أو بلغ سن الاعتزال أو مستواه الفني أو البدني غير لائق، فهذه العقود كلها التي تمر يومياً على الأندية لا تمر بوجد مدير قوي خبير كرمى عيون رئيس النادي والمتنفذ الفلاني أو الداعم أو شركات الرعاية أو أي مسؤول رياضي لأن عملية التعاقدات منضبطة وتجري ضمن ميزان صحيح.

هذا الأمر غير متوفر في أنديتنا فمن الممكن أن يشغل هذا المركز المهم أي شخص يمكن أن يكون رئيس النادي مثلاً أو عضو إدارة غير خبير بشكل كاف، لذلك نجد دوماً في أنديتنا أكثر من خمسة لاعبين عالة على الفريق الواحد، وكل لاعب منهم له قصة وله داعم وله وضع خاص، وهؤلاء يكلفون النادي مبالغ كبيرة لا لزوم لإنفاقها، فضلاً عن أن المراكز الذي يشغلونها بالفريق تصبح نقاط ضعف بالفريق يمر من خلالها الفرق الأخرى ويحققون التفوق والفوز.

في النظرة الحالية للدوري الكروي الممتاز نجد أن كل فرقنا تتعامل مع الدوري بنظرة آنية ولا تفكر بالمستقبل ولا تعمل على البناء وفق خطط مستقبلية شاملة، ونجد أيضاً أن كل مسؤول في النادي يبحث عن مصلحته وعلى كيفية الحفاظ على مكانه في النادي، والجميع يعمل على إرضاء فلان وفلان، وهذا يؤدي بالضرورة إلى عدم ولادة فريق ناضج كروياً، ولأن جميع فرقنا تسير على النهج ذاته فلا يمكن امام هذه الصورة أن نملك دورياً منضبطاً أو منظماً، بل سنجد دورياً منهكاً وضعيفاً بأدائه ومستواه الفني، وهذا لن ينتج لنا منتخباً قوياً وبالتالي ستبقى كرتنا عشوائية.

الانضباط والالتزام

أي شيء في العالم لا يحكمه القانون ولا يسوده الانضباط والالتزام فهو عمل فاشل بامتياز ولا يمكن أن يصل لأدنى درجات النجاح.

كرة القدم لا يمكنها أن تتقدم أو تتطور إن لم يكن القانون أساس عملها، ونلاحظ أن الخروج عن القانون في البطولات الكبرى والدوريات المحترمة قليل جداً، ليس لأن اللاعبون وكوادرهم من كوكب آخر وليس لأن الجمهور جاء من المدينة الفاضلة، بل لأن الجميع يعلم أن القانون الكروي لا يرحم فكل مخالف ستجابه بالعقوبة المناسبة ولو كان المخالف على مقاعد المتفرجين، لذلك صار هدف اللاعب أن يقدم أفضل ما عنده على أرض الملعب وهدف المدرب أن يقدم قصارى علمه وفكره وخططه لفوز فريقه، أما الجمهور فبات حضوره إلى الملعب لمشاهدة مباراة جميلة والاستمتاع بوقتها، فتقلصت المخالفات إلى أدنى درجة ممكنة.

في كرتنا هذه الأفكار غائبة تماماً والمسائل تسير في النشاطات عكس التيار فترى المشاغبين من اللاعبين وكأنهم في (سوق الهال) وبعض الكوادر يريدون تبرير فشلهم أو خسارة فريقهم بالقرار التحكيمي ليلصقوا أخطاءهم بقضاة الملاعب، والجمهور على الشاكلة ذاتها فقد وجد من الملاعب ساحة لينفس بها عن أذى خسارة فريقه بوجه الحكم الذي بات المسؤول الوحيد عن الخسارة وإضاعة الفرص وسوء الإعداد وضعف الأداء.

لكن الأسوأ من هذا وذاك تلك الأبواق الفيسبوكية التي تتبناها الأندية بشكل مباشر أو غير مباشر لتهاجم المسؤولين الكرويين أو لجنة الحكام أو الحكام أنفسهم، وكل هذه المواقع تتبنى نظرية المؤامرة التي تحاك ضدها!

وللأسف وكما حدث مع نادي الفتوة عندما وقع بالمخالفة وفرضت عليه العقوبة نجد أن النادي جيّش كل من يستطع تجييشه للدفاع عن (المخالفة) ولم نجد أحداً يدافع عن الحق من مبدأ الحب أعمى ويجب أن ندافع عن نادينا مهما كان الأمر وكيف كانت المخالفة!.

تكريس مثل هذه العقلية في صفوف فرقنا مشكلة كبيرة، والمشكلة الأكبر أن من يتبنى هذه الأفكار الخاطئة هم القائمون على الأندية والمفترض أن يكونوا قدوة للجميع وأن ينصروا القانون والحق وأن يحاسبوا المخطئ من صفوفهم مهما كان موقعه وتأثيره على النادي وعلى الفريق.

لجنة الانضباط والأخلاق وجدت أن الأمور في الدوري لا تتجه في الكثير من الحالات إلى مكافحة الشغب والحد من التمادي بارتكاب الأخطاء، لذلك عملت على تعديل بعض البنود لتكون مؤثرة وكفيلة بردع الشغب والمشاغبين، ومن هذه التعديلات أن كل العقوبات المالية سيتحملها من ارتكب الخطأ وهو من سيدفع الغرامة والنادي ليس له علاقة بهذه العقوبة، والمخالف الذي لا يدفع الغرامة لن يكون له مكان في الأسرة الكروية، وعلى سبيل المثال البطاقة الحمراء لها غرامة مالية والسلوك الشائن وغير ذلك، فتطبيق هذه اللوائح بشكل جيد سيحد الكثير من ارتكاب المخالفات لأن اللاعب وغيره سيفكر ألف مرة قبل ارتكاب المخالفة.

ما شاهدناه في كأس العالم كان نموذجاً للرقي والتعامل الأخلاقي والانضباط واحترام القانون، ومتى وصلنا بفكرنا وثقافتنا إلى هذا المضمون سيكون لنا مقعد محجوز في كأس العالم.

قضاة الملاعب

دائماً الحكام (قضاة الملاعب) لهم خصوصيتهم، نحن في هذه الفقرة ليس غايتنا الدفاع عن الحكام ولا عن قراراتهم وتصرفاتهم وأخطائهم، إنما نريد الدفاع عن القانون وعن قدسية كرة القدم.

الحكم ممثل للقانون وهو قاض في المباراة ويحكم بما يرى، ونحن جميعاً نؤمن بمقولة الحكم بشر، فالخطأ في قراره وارد لأنه بشر، فقد يغيب عنه التركيز لبرهة أو تضعف لياقته بلحظة معينة أو يتعرض لضغط سلبي من لاعب أو من الجمهور، كل هذه الأمور يجب أن نضعها بالحسبان قبل أن نصدر حكمنا على قضاة الملاعب ونتناولهم بالشتائم والسباب بأبشع العبارات وأقذرها.

بكل الأحوال لا نجد في الدوريات العالمية والبطولات الدولية من يتناول الحكام رغم أنهم يخطئون وأحياناً يرتكبون أخطاء فاحشة، لأن هذه الأخطاء وإن كانت مؤثرة في المباريات ونتائجها إلا أنهم مقتنعون أنه لا فائدة من الاعتراض والاحتجاج عليها فهناك من يحاسب الحكم أولاً، ومن جهة ثانية يعلمون أن أي تصرف سلبي سيواجه بعقوبات قد تجر الويلات على مرتكبيها.

الكثير من خبراء التحكيم يقولون: علينا تشجيع الحكم ودعمه فكما نصفق للاعب لتسجيله هدفاً وللحارس لمنعه فرصة محققة علينا التصفيق للحكم عند إطلاق صافرة جميلة في قرار قوي يدل على حضور الحكم ومتابعته.

وعلينا ألا نمارس الضغوط على الحكام قبل المباراة وأثنائها، عندما يقوم الحكم بالتحكيم بتجرد بعيداً عن أي شيء يؤثر في قراره فلن يخطئ ولن يوغل بالخطأ، وسيكون القرار التحكيمي بخير.

الحكمة أن ندع الحكام وشأنهم، وأن يقوم المسؤول عنهم بمراجعة قراراتهم وضبطها وتصحيحها وتقديم كل الدعم النفسي والمعنوي والمالي للحكام وتسهيل أمور قيادتهم للمباريات من خلال تأمين ما يلزمهم من تجهيزات ومستلزمات، وهذه المسألة مهمة جداً ويجب أن تراعى بكل جدية وإصرار، فالتحكيم جزء مهم من تطور كرة القدم وركن أصيل من أركانها.

هناك الكثير من التفاصيل التي يمكن أن نكتب عنها في هذا الشأن، وجاءت مباريات المونديال لتعطينا دروساً وعبر عن مشاهدات مباشرة تتعلق بكل جوانب كرة القدم بدءاً من الأمور الإدارية والتنظيمية والإنشائية والفنية وغيرها، فهل سنستفيد من هذه الدروس المجانية لتطوير كرتنا ولو بخطوة واحدة نحو الأمام.