اتفاقيات مينسك ومصداقية الغرب
عناية ناصر
يستمر الغرب بالضغط والتحريض على استمرار الصراع بين موسكو وكييف لاستنزاف واحتواء بلد يعتبرونه منافساً، سواء أكان ذلك بشكل صريح أو ضمني، فروسيا -وفقاً للغرب- لم تعتبر شريكاً في الحوار أبداً. وكانت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل قد كشفت في مقابلة مع صحيفة “دي تسايت” الألمانية، أن نية الغرب الحقيقية وراء مفاوضاته مع روسيا وأوكرانيا هي للترويج لوقف إطلاق النار في عام 2014، واعترفت أن اتفاقيات “مينسك” كانت “محاولة لمنح أوكرانيا الوقت”، وأن كييف استخدمت هذه الاتفاقيات “لتصبح أقوى”.
ورداً على ذلك، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن تصريحات ميركل كانت “غير متوقعة ومخيبة للآمال على الإطلاق”. وفي السياق ذاته أشارت صحيفة “نيويورك بوست” الأمريكية، إلى أن بوتين شعر بخيانة الغرب عقب اتفاقيات مينسك، وأن لا أحد ينفذها.
كان الهدف من اتفاقيات “مينسك” هو إدارة الأزمة الأوكرانية، وتجنّب تصعيد الصراع، حيث اعترفت ميركل بما لا يريد السياسيون الغربيون الاعتراف به. وما قالته المستشارة الألمانية السابقة يمزق الجزء الأخير المتبقي من القناع “الودّي” الذي ترتديه بعض الدول الغربية مع روسيا، حيث ترى بعض الدول الغربية روسيا مجرد “أجنبي” دبلوماسي وسياسي. علاوة على ذلك، وتحت تأثير واشنطن، يرى البعض أن موسكو هي بمثابة تهديد بسبب قوتها العسكرية الهائلة ونظامها السياسي الذي لا يلبي “المعايير الغربية”. ولقد تراجعت ثقة روسيا في الغرب بالفعل لتصل إلى مستوى متدنٍ جديد، وفي هذا الخصوص أشار بعض الخبراء إلى أن نفاق الغرب أضعف رغبة موسكو في دخول حوار فعّال مع الغرب، ووفقاً لـ بوتين: “الآن هناك مسألة ثقة على الأجندة، وقد اقتربت بالفعل من الصفر”.
لقد أظهر اعتراف ميركل بشأن اتفاقيات “مينسك” أن بعض الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، لا تحترم التزاماتها التعاقدية على الإطلاق، إضافة إلى أن الاتفاق الذي تريده الولايات المتحدة لا يتعلق بالمصداقية على الإطلاق، بل بالمصالح، إذ تعتبر الولايات المتحدة الاتفاقيات مفيدة عندما يمكنها تعزيز مصالحها، وخلاف ذلك، فإن واشنطن مستعدة دائماً لإنكارها، ويتجلى ذلك في انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية، ومعاهدة القوات النووية متوسطة المدى، كما أن واشنطن تتبنى سياسة الكيل بمكيالين لتعزيز مصالح حلفائها عند تنفيذ الاتفاقية.
لقد أصبحت الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية الأخرى “متخلفة عن الوفاء بالتزاماتها” الدولية، فهم يجرؤون على عدم الوفاء بوعودهم لأنهم محميون من قبل الهيمنة الغربية مع وجود الولايات المتحدة في صلب هذه الهيمنة.
لقد اختطفت واشنطن العديد من الدول الغربية الأخرى للانضمام إلى مثل هذه الهيمنة، وخلق والحفاظ على نظام دولي مشوّه، ومن المتوقع أن تستمر بعض الدول الغربية باستخدام ما يسمّى بالقيم كذريعة للدفاع عن هيمنتها الجماعية، والتنمر على الآخرين. لكن طالما بقيت مثل هذه الهيمنة، سيظل العالم ضحية لسياسات القوة، وليس مكاناً مليئاً بالعدالة والإنصاف.