الهوية السورية للعمارة والفنون التدمرية
آصف إبراهيم
كتب عالم الآثار السوري، الراحل عدنان البني، في دورية الموسوعة العربية، أنه في القرون الثلاثة الأولى التي تركت لنا أجمل المنجزات الفنية والعمائر التدمرية، حافظ الفن التدمري على سماته الشرقية السورية المتأثرة بالتقاليد الهلنستية والآسيوية عموماً، وازداد التأثر بالتقاليد الإغريقية الرومانية منذ القرن الثاني الميلادي.
وقد اتبع الفن التدمري تقاليد الفن السوري – الرافدي المعروفة في أقدم عصوره، وتأثر تأثراً واضحاً بالفنون الهندية والفرثية (الفارسية القديمة)، إضافة إلى تأثيرات كلاسيكية إغريقية ورومانية. وكانت تدمر من الناحية العمرانية متأثرة بالتخطيط اليوناني الروماني إلى حدّ كبير، وكذلك في شكل الأعمدة والتيجان، لكن الآثار النحتية، كالتماثيل والصور الجدارية، بقيت خاضعة أساساً لقواعد شرقية كالتوجه للأمام والاعتماد على الخطوط الواضحة المحدّدة للأشخاص والمعالم.
يمتاز النحت – أبرز آثار الفن التدمري – بقوة التعبير، وتوحي نماذجه الكثيرة برجولة الرجال وتقشفهم ونبلهم، وجمال النساء وترفهن. كما برع التدمريون في فن اللوحات الجدارية، ومن بين أشهر الرسوم الجدارية القليلة المكتشفة هي تلك الموجودة في معبد الأرباب التدمريين في دورا أوروبوس (صالحية الفرات)، وهذه الرسوم التدمرية تتبع التقاليد الشرقية القديمة.
تتجلى في عمارة المعابد التدمرية التقاليد السورية القديمة، وإذا أغفلت أنماط التيجان وبعض التقاليد الاتباعية السطحية، وُجد أن المخطط العام للمعبد التدمري يختلف عن مخطط المعابد اليونانية الرومانية.
وضمن هذا الإطار، تمحورت محاضرة الدكتور نزيه بدور في فرع حمص لاتحاد الكتّاب العرب، والتي حملت عنوان “الهوية السورية للعمارة والفنون التدمرية”، وحاول من خلالها الوقوف عند أهم المؤثرات التاريخية التي مهّدت لولادة الحضارة التدمرية، بدءاً من الألف الثالث قبل الميلاد وظهور مملكتي إيبلا وماري اللتين شهدتا ازدهاراً ثقافياً وتجارياً مهماً.
فالحضارة التدمرية، كما يقول، ولدت من رحم الحضارة الهلنستية، كما روما، وهي توءم روما، وقد سعى بدور عبر الاستهلال التاريخي لإثبات الهوية السورية، رغم تأكيده على التفاعل الحضاري والثقافي مع الحضارات الرومانية واليونانية والفارسية، كما جاء في دراسة الدكتور البني، حيث دخل الفرس إلى سورية سنة ٥٣٩ ق. م، ثم جاء اليونان يحملون حضارة عظيمة مع حملة الاسكندر المقدوني، ونشوء الدولة السلوقية، ثم دخول الرومان، ليدخل الفن المعماري مرحلة متميزة مع المهندس السوري أبولودور الدمشقي الذي حقق نهضة عمرانية مهمة في روما التي اصطحب إليها طاقماً مهماً من أهم البنائين السوريين.
ومن دلائل الهوية السورية في العمارة التدمرية، يذكر بدور حضور اللغة التدمرية المنقوشة على الأعمدة الأثرية إلى جانب اللغة اليونانية، حيث كانت المدينة ممراً عالمياً للتجارة، وقد استشهد بدراسات وآراء العديد من علماء الآثار الذين اهتموا بالآثار السورية، وكان لهم فضل كبير فيما تحقق من مكتشفات أثرية شهدتها الأرض السورية، في القرن الماضي، والتي يرجِع بعضها تخطيط المدينة إلى الحضارة البابلية، والشيء المؤسف الذي يشير إليه المحاضر هو وجود معظم القطع الأثرية السورية المهمة في المتاحف الأوروبية، ولاسيما في اللوفر والأرميتاج.