دراساتصحيفة البعث

أصوات معارضة لأمريكا

هيفاء علي

بات النظام الغربي التقليدي بشأن تشكيل التحالفات السياسية والاقتصادية العالمية في حالة تغيّر مستمر، ولا شيء يوضح هذا التغيير بشكل أوضح من ردود الفعل المختلفة على العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا. ولعلّ أبسط مثال على ذلك اتباع سياسة فرض العقوبات الاقتصادية الكيدية على روسيا منذ بدء العملية، ولكن بينما فرضت الولايات المتحدة وأقرب حلفائها في أوروبا وآسيا عقوبات اقتصادية قاسية على موسكو، رفض 87٪ من سكان العالم اتباع هذه السياسة الكيدية، حيث جمعت العقوبات الاقتصادية خصوم الغرب في مقاومة مشتركة.

وبشكل غير متوقع، أدى اندلاع الحرب الباردة الثانية أيضاً إلى جعل البلدان التي كانت تعتبر في يوم من الأيام شركاء للغرب أو دول عدم الانحياز متحالفة بشكل متزايد، إذ يتضح هذا التحول بشكل خاص في قطاع الطاقة حيث، على عكس العملات، لا تستطيع الحكومات ببساطة طباعة ما تحتاجه.

في الطرف الآخر، تبيع الصين الغاز الطبيعي المسال من سيبيريا إلى أوروبا، وفي الوقت نفسه تستورد النفط الروسي، ثم تقوم بتكرير هذا النفط وتصدّره. وفي الوقت نفسه، أصبحت إيران، التي تتم المحافظة على ملاءتها المالية من خلال مشتريات النفط من الصين، الزبون الرئيسي للقمح الروسي. وفي سياق متصل، صرّح وزير النفط الهندي علناً أن حكومته ليست في صراع مع موسكو، ولديها “واجب أخلاقي” لخفض أسعار الطاقة في بلاده عن طريق شراء النفط الروسي.

وهكذا كلّ شيء يشير إلى أن التحالفات التي تمّ تشكيلها جزئياً لمواجهة النفوذ الاقتصادي والسياسي الغربي آخذة في الازدياد، حيث تتزايد طلبات الانضمام إلى مجموعة “البريكس” التي تضمّ البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا. وهناك أيضاً “منظمة شنغهاي” للتعاون التي تضم حالياً الصين وروسيا والهند وباكستان وغيرها، في حين تخطط إيران للانضمام هذا الشهر الى المنظمة. بالإضافة إلى ذلك، تربط مبادرة “طريق الحرير” الجديدة الصينية الطموحة العديد من البلدان الأفريقية ببكين من خلال العلاقات التجارية والديون. وبحسب المحللين الغربيين، إن لم يكن ذلك كافياً لإيقاف الغرب، فإن موسكو مرة أخرى في طريقها للوصول إلى أمريكا اللاتينية، وهي تعزز علاقاتها العسكرية مع نيكاراغوا وفنزويلا وكوبا. كما رفضت البرازيل والمكسيك رفضاً قاطعاً دعم العقوبات الغربية ضد روسيا، وحتى لو كانت الاحتياطيات بالدولار لا تزال أحد أعمدة النظام الاقتصادي العالمي، إلا أن الإيمان بهذا النظام قد تمّ تقويضه، حيث أدت العقوبات الاقتصادية إلى عسكرة بعض قطاعات البنوك والتأمين الدولية، بما في ذلك نظام تحويل الأموال “سويفت”، وتمت مصادرة الأصول وإلغاء عقود السلع.

وتبدو الدعوات لإزالة الدولار الأكثر ضراوة، فعندما طالبت روسيا بسداد مدفوعات طاقتها بالروبل أو اليوان أو الدرهم، امتثلت الإمارات والصين والهند. بينما يتعرّض العديد من الاقتصادات الآسيوية الآن لضربة من ارتفاع أسعار النفط وانخفاض قيمة عملتها مقابل الدولار. ونتيجة لذلك، تلجأ بشكل متزايد إلى الاتفاقات المتبادلة الثنائية، والتي تسمح لها بالتداول مع بعضها البعض بعملاتها الخاصة.

منذ ثمانين عاماً، فقد الجنيه البريطاني مكانته المهيمنة بين العملات العالمية، وهذا هو بالضبط ما يحاول خصوم أمريكا فعله عندما يتعلق الأمر بالدولار. واليوم، تهدّد الضغوط التضخمية، ومخاطر الركود معظم أنحاء العالم، وبحسب المحللين، إذا كانت الدول الغربية المزدهرة تستطيع تحمل تكلفة العقوبات، فإن معظم الدول الأخرى لا تستطيع ذلك، حينما تنافس أوروبا الآن دولاً مثل بنغلاديش وسريلانكا وباكستان وتايلاند بإمدادات الطاقة. زيادة على ذلك، في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، أدى نقص الطاقة والغذاء إلى زيادة احتمالية حدوث اضطرابات سياسية مماثلة لتلك التي حدثت عام 2011. وبالتالي هذه المخاوف تخلق مشاعر معادية للغرب في معظم أنحاء جنوب الكرة الأرضية، بينما يخسر الغرب اللعبة بسرعة، وبالتالي يقوّض النظام الدولي القائم على القواعد الذي سعى إلى إنشائه، ومن المرجّح أن أفضل طريقة للخروج من هذه المعضلة ستكون تسوية من النوع الدبلوماسي، بحسب المحللين.