عمالة الأطفال.. تهديد لبنية المجتمع التربوية والتعليمية
حماة – ذكاء أسعد
أحدث الواقع المعيشي المتردي نمطاً جديداً في بنية المجتمع التربوية والتعليمية، تمثل بميل الكثير من الأطفال والشباب المراهقين للبحث عن عمل يمكنهم من تأمين حاجاتهم الخاصة، بالتزامن مع عجز الأهل عن تأمين تلك الحاجيات ولو بالحدود الدنيا، ونمو أفكار جديدة تحضّ على العمل والتحصيل المادي بعيداً عن التحصيل العلمي.
الكيل بالمال
وتصدق في هذه الأيام مقولة “العلم لا يكيل بالمال”، لكن بمفهوم مختلف، فلم يعد التحصيل العلمي هاجساً أو هدفاً إلا لفئةٍ قليلة ممن تمكُن ذووهم من تأمين احتياجاتهم. وعلى الرغم من سعي أولياء الأمور لدفع أبنائهم للعلم ومحاولة تأمين ما أمكن من مستلزماتهم الدراسية وبكافة السبل، إلا أن الواقع المعيشي الصعب فرض عليهم في بعض الأحيان غضّ الطرف عن الكثير من الأعمال التي يقوم بها أبناؤهم بعيداً عن مقاعد الدراسة.
وتشير المرشدة الاجتماعية فاديا العلي إلى أن الظروف المادية ألزمت الكثير من الشباب المراهقين بالعمل بغية سدّ حاجاتهم ومصاريفهم الخاصة، وأيضاً لتخفيف العبء عن أسرهم، ولكن في كثير من الحالات يتجه هؤلاء المراهقون للقيام بأعمال لا تتناسب وحالتهم الجسدية والنفسية، وذلك لتأمين حاجاتهم المادية من جهة، وإثبات ذاتهم ورجولتهم من جهة أخرى، بمعنى أنهم يستطيعون تحمّل المسؤولية والجمع بين العلم والعمل معاً.
ضرورات ومحظورات
ولم تخفِ العلي خشيتها من اتجاه المراهقين للعمل على حساب تحصيلهم الدراسي، سيما وأن الكثير منهم يسلكون طرقاً غير سليمة للوصول إلى غايتهم في الحصول على المال على مبدأ “الضرورات تبيح المحظورات”، وقد ظهر كثير من هذه الحالات مؤخراً في المجتمع.
وترى العلي أن علاج هذه الحالات لا يكون إلا بتضافر جهود أولياء الأمور والهيئة التدريسية من خلال تقدير العلم وطرح موضوع النمذجة عن أولئك المتفوقين والمبدعين، والابتعاد عن تكريس فكرة القيم المادية على حساب قيمة العلم الحقيقية.
تسرب مدرسي
إن اتجاه الشباب المراهقين إلى العمل أدى إلى ظهور ظاهرة التسرب المدرسي بشكل كبير، ورغم تأكيدات مدير تربية حماة، يحيى منجد، أن هناك العديد من العقوبات التي يتمّ اتخاذها للحدّ من ظاهرة التسرب المدرسي، وخاصة في المرحلة الثانوية وفق النظام الداخلي للتعليم الثانوي، إلا أن أحد الموجهين التربويين – فضّل عدم ذكر اسمه – أكد أن الكثير من مدراء المدارس يتغاضون عن تلك الظاهرة، خصوصاً في الصفوف الانتقالية (العاشر والحادي عشر)، وذلك بسبب الوضع المعيشي الذي يضطر الطلاب للعمل خلال فترة المدرسة الصباحية، كما أن الكثير من أولياء الأمور لا يعبأون بتغيب أبنائهم عن مقاعد الدراسة بسبب عجزهم عن تأمين الكثير من المستلزمات فيلقون بهم إلى ميدان العمل.
قوانين صارمة
ويؤكد مدير الشؤون الاجتماعية والعمل في حماة، كامل رمضان، أن نص قانون العمل لعام 2010، الخاص بعمالة الأحداث، يمنع بشكل كليّ تشغيل من هم دون سن الخامسة عشرة، أما من تجاوز سن الخامسة عشرة، حتى الثامنة عشرة، فيسمح له بالعمل ضمن شروط، وهي موافقة ولي الأمر، وتقرير طبي، وعقد عمل بين صاحب العمل والحدث محدّد بساعات معينة لضمان حقوق الحدث، وألا يكون هناك أي ضرر على صحته الجسمية والعقلية جراء قيامه بهذا العمل.
وبيّن رمضان أن مفتشي العمل يقومون بجولات على المنشآت المتواجدة بالمحافظة، سواء بالمدينة أو الريف، بهدف تفقد هذه المنشآت ومدى تطبيق هذا القانون، مشيراً إلى أنه تمّ ضبط الكثير من المخالفات وفرض غرامات كبيرة على أصحاب العمل المخالفين للقانون.
مستقبل غامض
ويذهب الكثير من أولياء الأمور إلى أن ارتفاع تكاليف المستلزمات الدراسية أصبح عبئاً ثقيلاً لا يمكن لأغلب الأسر محدودة الدخل تحمله، وهذا يتطلب من المعنيين المساهمة بتأمين تلك المستلزمات بشكل مجاني، أو بسعر رمزي على الأقل، وإلا فنحن أمام جيل مجهول المستقبل، وخاصة مع فقدان سيطرة الكثيرين على أبنائهم، ما يهدّد بخلل في بنية المجتمع التربوية والعلمية.