مؤتمر الصناعات الإبداعية.. وقف هجرة الحرفيين وتوفير الطاقة والقضاء على احتكار المواد الأولية
مادلين جليس
الإبداع أساس النجاح، كما أن الإبداع المقترن بالاستثمار الناجح يؤسس لتطور حتمي في كل المجالات. ولعل مؤتمر الصناعات الإبداعية الذي أقامته وزارة الثقافة بالتعاون مع الهيئة العليا للبحث العلمي والجامعة الافتراضية السورية في مكتبة الأسد الوطنية، لم يكن إلا وضع حجر الأساس للمضي قدماً في طريق دعم الإبداع والابتكار.
خارطة متوقعة
وللحقيقة فإن التساؤل الذي يتمحور حول علاقة الأدب بالصناعة، أو علاقة الموسيقا بالصناعة، قد يخطر على بال الكثيرين في محاولة لإيجاد رابط مشترك بين الصناعة والإبداع، وهو ما أجابت عنه الدكتورة لبانة مشوح وزيرة الثقافة، حينما أكدت أن كل المجالات الابداعية بمافيها التصميم بكل أنواعه والبرمجيات، وفن العمارة، والموسيقا، والمسرح، وفنون الأداء عامة، والأدب، والفكر، والسينما، كلها يمكن أن تتحول الى صناعات إبداعية إذا تم توفير مستلزماتها وإذا أطلقت بالشكل الصحيح.
ومن هذه المستلزمات، برأي الدكتورة مشوح، وقد تكون الحلقة الأخيرة، الترويج الصحيح للمنتج الثقافي أو الإبداعي عموماً.
وأطلقت وزيرة الثقافة نداء للمستثمرين الراغبين في دعم المبدعين، ليس فقط في مجال الثقافة وإنما في أي مجال إبداعي يرون فيه مجالا لاستثمار أموالهم.
احتكار المواد الأولية
بالمقابل فإن كل الاهتمام الذي يوجه اليوم نحو الصناعات الإبداعية يجب أن يوجه أولا لإزالة الصعوبات والعوائق التي تعترض تطور الصناعات الإبداعية، وللقضاء على المشكلات التي يعاني منها القطاع – كما يعددها خالد فياض مدير تحرير مجلة التراث الشعبي – والمتمثلة بهجرة الحرفيين المبدعين وعدم توفر سبل الطاقة لصناعيي هذه الحرف، إضافة إلى احتكار بعض التجار للمواد الأولية لهذه الحرف كونهم المصدر الوحيد لها، وفي مقدمة هذه المواد الصدف الذي ارتفع ثمنه لدرجة كبيرة أدت إلى ارتفاع سعر الصناعات المنتجة منها وعزوف المستهلكين عن شرائها، خاصة أن زبون هذه الحرف لم يعد السائح أو الزائر الأجنبي، بل اقتصر على المستهلك السوري فقط.
ويؤكد فؤاد عربش، رئيس الجمعية الحرفية للمنتجات الشرقية، المشكلات التي أشار لها فياض، ويطالب الجهات الحكومية بدعم هذه الحرف والمهن التي وصفها أنها لاتقل أهمية عن باقي الثروات الموجودة في سورية كالنفط مثلا، فهي داعم حقيقي للاقتصاد الوطني.
وبين عربش أن سنوات الأزمة التي مرت بها سورية أفقدت هذه المهن والحرف الكثير من حرفييها، ودمرت الكثير من مراكزها التي كانت متواجدة في الأرياف ولذلك فأهم مايطالب به كرئيس للجمعية هو العمل على إعادة الألق لهذه الحرف من خلال خلق جيل جديد يتدرب للدخول فيها، مشيراً إلى أن الجمعية الحرفية للمنتجات الشرقية تقوم بدورات في هذا المجاب بالتعاون مع وزارة الصناعة في مجمع باب شرقي للحرف المسمى خان الزجاج.
العوائق بمنظور آخر
إضافة إلى ما طرح سابقا من هجرة حرفيي المهن وما يعترض عملهم من عوائق، ترى المهندسة راما الشيخ مديرة المهن السياحية في وزارة السياحة أن بعض المشكلات تتعلق بالحرفيين بحد ذاتهم، فقسم كبير منهم لا يزالون يعملون بالطريقة والشكل الذي ورثوه عن آبائهم دون تطوير لها وللآلات والتقنيات التي يعملون بها.
وعلى الرغم من أن لهذه الصناعات التقليدية على وضعها الحالي جمهورها الخاص، من السياح أو الزوار الذين يقصدون المهن والحرف خلال زياراتهم إلى سورية، إلا أن الإقبال على شراء منتجاتها لم يعد كما في السابق، فأعداد السياح متواضعة وخجولة لذلك فما يشتريه هؤلاء السياح والتي تسمى صادرات برفقة السائح أو الزائر أصبحت أيضاً ضعيفة ومحدودة.
وتمنت الشيخ أن يخرج المؤتمر بدعم حقيقي لهذه الصناعات، وخارطة طريق للانطلاق نحو تطويرها والاستثمار فيها، إضافة إلى إنقاذ الكثير من المهن التراثية التي توقفت والتي كانت في السابق تنتج وتصدر إلى الخارج كالطباعة على الحرير التي كانت منتجاتها تصدر لأوروبا أما حاليا فهي مهنة مهددة بالاندثار.
مقترحات وحلول
لم يكتف أهل الخبرة في الصناعات الإبداعية والحرف اليدوية بتعداد مشكلاتهم، إنما قدموا إلى جانبها بعضاً من الحلول والمقترحات التي رأوا فيها طريقاً سليماً لدعم هذه الصناعات واستعادة ألق الحرف والمهن اليدوية العريقة.
ومن هذه المقترحات التي قدمها فياص هو وضع ركائز أساسية للحفاظ على هذه الحرف وإنشاء أسواق وقرى تراثية لها يكون مكانها في المناطق السياحية، والغاية من ذلك بحسب فياض ضمان وصول الزوار إليها وعرض منتجاتها مباشرة للسائح أو الزائر سواء كان داخلياً أو خارجياً.
ومن الحلول التي ذكرها أيضا إنشاء مراكز متخصصة بتدريب هذه الحرف إضافة إلى إقامة مراكز تجارية في العديد من دول العالم تراعي المناطق الجغرافية كأمريكا اللاتينية وشرق آسيا والمغرب والخليج العربي، وتكون هذه المراكز تحت إشراف وزارة الاقتصاد والجهات التابعة لها، مشددا على أن إقامة هذه المراكز في المناطق الجغرافية التي ذكرها رابح مئة بالمئة.
المسؤولية مشتركة
الدكتورة مانيا سويد، عميد كلية الهندسة المعمارية سابقاً، أكدت أن دعم القطاع لا يكون فقط بتقديم الأموال له، بل رأت أن دعم فئة الشباب والاهتمام بإبداعاتهم له أثر كبير ومهم، وبالمقابل ترى سويد أن هذه المسؤولية تقع على عاتق الشباب والشابات ايضاً، الذين من المهم أن يتمتعوا بروح المبادرة، وتقديم خدماتهم دون انتظار المؤسسات و الهيئات أن تبحث عن الحلول وتقدمها لهم.
وأضافت: يجب أن تكون مسؤوليتنا صادقة وحقيقية وأن يكون لدينا كامل الاستعداد لتقديم رأس المال اللازم لإنجاز هذا المشروع أي “مشروع الشباب”.
وهذا برأيها يساهم في إيصال الشباب المبدعين إلى تحقيق أمانيهم والبدء بمشاريعهم المنتجة، الذي نتج عن تضافر جهود المؤسسات والهيئات وكل الجهات المعنية بالإبداع.