مليون ليرة لليوم الواحد في صالات التعزية!
دمشق- لينا عدره
لا يمكننا تجاهل تحَوُّل “المناسبات الحزينة، خاصةً تلك المتعلقة بمراسم العزاء، في وقتنا الحالي، إلى عبءٍ مادي كبير على عائلة المتوفي، خاصةً وأن الأمر لا يقتصر على المدن الكبرى لجهة التكاليف المرتفعة، وإنما يشمل الأرياف التي أمست بعض العادات فيها عذاباً حقيقياً لعائلة المتوفي! كما ذكر لنا عماد (اسم مستعار) حين أُرغِمَ على إقامة وليمةٍ لأكثر من 600 شخص في اليوم الأخير لعزاء أخيه، وعدم قدرته على تجاهل هذا العرف السائد في منطقتهم رغم الضغط المادي الكبير عليه!
وهناك هاجس آخر بات يؤرق أصحاب التعزية، يتعلق بأجور وتكاليف صالات التعزية التي تختلف وتتباين في أسعارها حسب المنطقة التي تتواجد فيها الصالة، ليُضاف للقائمة اليوم بند آخر يتمثل بأجرة المُقرئين “قارئي القرآن” التي قد تتراوح ما بين مليون ليرة سورية في حال كان صوت المُقرِئ “شبيهاً بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد”، لتنخفض الأجرة وتقل حسب الصوت إن كان متوسط أو عادي، وفقاً لما ذكره أحد مستثمري الصالات، الذي أشار إلى أن المستوى الاجتماعي يلعب دوراً ويختلف بين منطقة وأخرى، وعليه فإن الصالة الكائنة في منطقة أبو رمانة أو المزة في في دمشق، مثلاً، ستختلف حتماً عن صالة في الضواحي المحيطة، لافتاً إلى أن اختلاف الخدمات المُقدمة رهن أصحاب التعزية الذين قد يكون لبعضهم طلبات خاصة كإحضار فرقة كاملة لتقديم القهوة والشاي والماء والتمر، إضافةً إلى تقديم طعام “عن روح المتوفي”، حسب عادات وتقاليد كل منطقة، أو الاكتفاء بفنجان قهوة وحبة تمر، ليتراوح بذلك آجار الصالة ما بين 500 ألف ومليون ليرة لليوم الواحد تبعاً للمنطقة.
مستثمر آخر فضل عدم ذكر اسمه أكد عدم التزام الكثير من مستثمري الصالات، خاصة تلك الموجودة في قلب العاصمة، بالأسعار التي على حد قوله – يشوبها “عدم ضبط وفلتان وتشليف وغياب للفواتير”، منوهاً إلى أن تأمين مادة المازوت للمولدة بات أحد أكبر العقبات التي تواجه أصحاب الصالات الصغيرة، والنتيجة خسارة وعبء مادي كبير، لافتاً إلى أن الصالات التابعة للنقابات تختلف في تسعيرتها عن غيرها كونها تقدم تعرفة خاصة لأعضائها، إضافة إلى تلك التي تريد – حسب تعبيره – “تبييض وجه” مع بعض المسؤولين من خلال تقديم خدمات لهم.
ماهر جسار، رئيس دائرة الخدمات في مديرية الشؤون الاجتماعية، أوضح لـ “البعث” أن لمجلس إدارة الجمعيات التي تمتلك صالات تعزية صلاحية وضع التسعيرة، فإذا كان المستفيدون من ضمن قوائم العائلات المُسجلَّة لديها يمكنها – أي للجمعية — حجز الصالة لهم بسعر مخفض أو من دون مقابل مادي، وهذا طبعاً يرجع للإدارة، فيما تؤجرها لمن يود من غير المسجلين وهم يتكفلون بكل التفاصيل بما فيها المقرِئ، مضيفاً أن إحدى الجمعيات التي يعرفها تطلب فقط من أصحاب التعزية تأمين المازوت للمولدة، وهم يتكفلون بباقي التكاليف كنوع من المساندة والتكافل مع الأهل، خاصة أولئك الذين لا قدرة لهم على تحمل مصاريف التعزية، التي باتت اليوم تثقل كاهل معظم فئات المجتمع.
ولفت جسار إلى أن الجمعيات تحصل على ترخيص إداري وموافقات من محافظة دمشق لاستثمار أي مبنى من المباني التابعة لها، سواء أكان مركزا طبيا أو مجتمعيا أو صالات مناسبات، وبالتالي فإن قرار تأجير أو استثمار العقارات التابعة للجمعيات يرجع لمجلس إدارتها وللهيئة العامة للجمعية، علماً – يبيّن جسار – أن هناك جمعيات هي التي تتولى استثمار صالاتها، ما يُمكِّنها من وضع تسعيرة ثابتة للجميع، فيما يتجه البعض الآخر لوضع تسعيرة حسب وضع الشخص، ونوّه إلى أن الهدف الأساسي للجمعية الخيرية لا يتمثل بقيامها بنشاطٍ تجاري ربحي، بقدر ما يستهددف تحقيق أكبر قدر ممكن من الإيرادات لصرفها على دور الأيتام التي تشرف عليها الجمعية المعنية، إضافةً للمستفيدين من العائلات المُسجلة، مشيراً إلى أن نظام العقود الخاص بالجمعيات يسمح للجمعية بتأجير صالتها لمستثمرٍ عبر مزادٍ، سواء بالجريدة الرسمية أو مزاد بالظرف المختوم أو العلني.
واستدرك جسار بأن الظروف الحالية وعدم توفر الكهرباء والمساحات الصغيرة للبيوت، والتي لا تسمح بإقامة تعزية فيها، فرض على معظم الناس التوجه للصالات التي باتت الخيار الأفضل رغم التكاليف المرتفعة لبعضها، لافتاً إلى أن توفر خيارات كثيرة ساهم بالتخفيف من الأعباء المادية إلى حدٍّ معقول، ليرجع الأمر في النهاية للعائلة وقدرتها ووضعها المادي.