د. السيد: “المجمع” بقي حارساً للعربية الفصيحة وعاملاً على خدمتها
نجوى صليبه
بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، قال الدّكتور محمود السّيد رئيس مجمع اللغة العربية في دمشق: علينا نحن أبناء الأمّة العربية أن نعتز ونفتخر بأنّ لغتنا من بين الّلغات السّت المعتمدة في الأمم المتّحدة والمنظّمات التّابعة لها، وهذه اللغات العالمية المعتمدة هي الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والرّوسية والصّينية، ثمّ أضيفت إليها العربية، وعلى أبناء الأمّة أن يقدّروا عالياً هذا الصّنيع العالمي تجاه لغتهم في وقت نجد دولاً عظمى لم تكن لغاتها من بين هذه اللغات المعتمدة داخل الأمم المتحدة من مثل ألمانيا وإيطاليا واليابان والهند وإيران.. ومن المؤسف حقاً أن يستعمل بعض ممثلي الدّول العربية في الأمم المتحدة ومنظّماتها اللغة الأجنبية غير مهتمين بنظرة الآخرين إليهم في الوقت الذي تتبوّأ فيه لغتهم المرتبة العالمية.
ويضيف السّيد: لقد كانت لغتنا العربية لغةً عالمية من قبلُ إبان ألق الحضارة العربية الإسلامية، وذلك عندما تمثّلت التّراث العلمي والفلسفي لأعرق الحضارات المعروفة في التّاريخ من يونانية ورومانية وفارسية وهندية من دون أن تنزل عن سماتها وأصولها، وجرى نقل أفانين العلم إلى أوربا، وتجلّى ذلك في رسائل جابر بن حيّان في الكيمياء، والرّازي وابن سينا والزّهراوي وابن النّفيس والكندي في الطّب، وابن البيطار في النّبات، وحنين بن إسحاق في التّشريح، وابن الهيثم في علوم الطّبيعة والبصريات، والبتاني في الفلك، وابن ماجد والشّريف الإدريسي في الجغرافيا، وابن خلدون في علم العمران، وابن رشد في الفلسفة، وابن جني والخليل والجرجاني وسيبويه في علوم اللغة، مبيّناً: وظلّ النّتاج الفكري العربي في مخطوطات الرّازي وابن الهيثم وابن سينا والزّهراوي وابن النّفيس معتمداً في أوربا حتّى أوائل القرن التّاسع عشر، وما تزال تسمّى بعض المركّبات الكيميائية بأسمائها العربية كالكحول والشّراب، وغيرها في مجالات متنوّعة كالنّظير والياسمين والليمون والسّكر والقطن.
ويوضّح السّيد: شتّان بين عالمية اللغة العربية من قبل وعالمية اللغة الإنكليزية في عصرنا الحالي، فأمّتنا احترمت اللغات الأخرى وأربابها، وترجمت عنها، ولم تعمل على إبعادها، في حين أنّ دعاة العولمة في أيّامنا يعملون على تهميش لغات الشّعوب، وفرض لغتهم مكانها، مضيفاً: وإذا كانت العربية قد تبوّأت هذه المكانة الكبيرة من قبل، فإنّها في وقتنا الحالي تتبوّأ مقاماً عالمياً، ولم تكن لتتبوأه إلّا لعراقتها، ونسبة عدد المتكلمين بها على الصّعيد العالمي، وثمّة حقيقة لابدّ من الإشارة إليها، وهي أنّ العربية اعتمدت بين اللغات العالمية في الأمم المتحدة عام 1973، ونسأل ما دلالة هذا التّاريخ؟ إنّه عام حرب تشرين التّحريرية التي أثبت فيها العرب تضامنهم ووحدة كلمتهم وانتصارهم على العدو الإسرائيلي بفضل هذا التّضامن وهذه الوحدة، ففرضوا وجودهم على الصّعيد العالمي، واللغة ترافق الأحياء الذين يتكلمونها، تقوى بقوتهم وتضعف بضعفهم، ورضخ الآخرون لإرادة أبناء هذه اللغة عندما وقفوا وقفة العزّ وإثبات الوجود.
وأشار السّيد إلى محاولات الاستعمار إبعاد لغات الشّعوب والأمم، وفرض لغته مكانها، وهذا ما قام به الاستعمار الفرنسي في دول المغرب العربي، وفي سورية ولبنان، وما قام به الاستعمار البريطاني في مصر والسّودان والعراق، إلّا أنّ محاولاته كلّها باءت بالإخفاق، وأثبتت سورية والجزائر أنّ انتماءهما إلى لغة الأمة إنّما هو مظهر حضاري لا يمكن أن توصف به أمّة لا تحترم لغتها. ونبه إلى أن عالمنا المعاصر يؤكّد دور التّنمية البشرية في مجتمع المعرفة، ولكنّ الاستثمار الصّحيح هو في العقول وتنميتها بالمعرفة، وما كانت اللغة إلّا طريق هذه المعرفة ولاسيّما المعرفة العلمية والتّقانية، وإنّ دور اللغة العلمية والتّقانية في تحسين مردود القوى العاملة باللغة الأم يتعاظم بدرجة كبيرة مع التّوجه نحو الاقتصاد المبنيّ على المعرفة، وقال إن التّرجمة العلمية تعد من وسائل إغناء اللغة العلمية والتّقانية للقوى العاملة والنّهوض الاقتصادي والاجتماعي، ويعدّ النّمو الاقتصادي مفتاح حلّ أهم القضايا الاقتصادية العربية المعاصرة وهي توليد فرص العمل، وتنويع النّشاطات الاقتصادية وزيادة دخل الفرد، وزيادة النّاتج الإجمالي المحلّي والعربي.
واستطرد السّيد: من هنا كان حرص مجمع اللغة العربية بدمشق عبر ما يزيد على قرن كامل على وضع المصطلحات باللغة الأم العربية الفصيحة مقابل المصطلحات الأجنبية، فأنجز المعاجم في مختلف ميادين المعرفة في الطب والفيزياء والكيمياء والمعلوماتية والتّربية والفلسفة والجيولوجيا والرّياضيات والقانون والنّبات، وبقي حارساً للعربية الفصيحة، وعاملاً على خدمتها وتمكينها، وضعاً للمصطلحات العربية، وتحقيقاً لأمهات كتبها، ونشراً للمؤلفات والبحوث.
وختم السيد بدعوة المجامع العلمية اللغوية في الوطن العربي أن تضاعف جهودها كلّها في التّنسيق والتّعاون والمبادرات الإيجابية خدمة لحبيبتنا الأثيرة لغتنا الأم العربية الفصيحة.